فى رمضان بالذات تتجلى فئتان من الناس مرفوضتان من المجتمع، والعجيب أن كلاً منهما نقيضة للأخرى تماماً! والفئة الأولى لها الغلبة وغرضها تحويل شهر الصوم إلى «كريسماس إسلامى» على طريقة الخواجات، الذين يحتفلون بعيد ميلاد السيد المسيح بما لا يمت لأخلاقه بصلة، فهو فرصة للهو والصخب والسهرات الحلوة بمقاييس الدنيا!! وهؤلاء الذين يقلدونهم فى الدنيا يسمون أنفسهم العلمانيين، وهم فئة من المثقفين وأشباههم يريدون فصل الدين عن الدولة والحياة كلها، ورغم ضآلة عددهم فإن تأثيرهم خطير، وهم يملكون مفاتيح الإعلام، ويتبوؤون العديد من المناصب الكبرى فى الدولة.. وقد نجحوا للأسف فى تطويع رمضان بما يناسب فكرهم، وتحول شهر الصوم إلى مناسبة كبرى للتسلية، وتراجعت التقوى بينما احتلت الفرفشة الصدارة، والآية التى تتحدث عن الغرض من الصوم لم يعد لها مكان فى حياتنا: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون»، واحتلت مكانها أغنية ليلى مراد الشهيرة يرحمها الله: «اضحك كركر فرفش هنكر!! وأنتقل إلى الفئة الثانية التى يرفضها مجتمعنا المسلم المتدين وهى أهل التشدد إنهم ينقطعون للعبادة فى رمضان، ومعظمهم يأخذون إجازة من الدنيا كلها، ويقاطعون الإعلام كله، ويمكثون فى المساجد بالساعات يصلون بجزء كامل من القرآن، يستغرق هذا الأمر ساعتين وربما أكثر! وفى الأيام العشرة الأخيرة من رمضان يقومون إلى صلاة التهجد قبيل الفجر بعدة ساعات، ولا يأتى العيد إلا وقد أتموا قراءة القرآن الكريم كله، وربنا يفتح عليهم ويزيدهم من فضله! ولا اعتراض عندى على هذا السلوك! لكن الذى أتعجب له ويصيبنى بالدهشة حقاً أن بعضاً من هؤلاء يقف الواحد منهم خاشعاً بين يدى ربه ودموعه تنزل على خديه ويبكى ويتضرع إلى الله، ومع ذلك تجده غليظاً مع الناس!! طيب إزاى وليه؟! فى قلبه قسوة غريبة لا تتفق مع الرحمة، التى جاء بها القرآن وقسوته هذه تمتد حتى إلى أهل بيته، فهو يعامل امرأته وكأنه السيد وهى الخادمة عند حضرته يأمرها وعليها واجب الطاعة، فإذا لم تفعل كان من حقه أن يضربها باسم الشرع!! وصدق إمام عصره الشيخ محمد الغزالى رحمه الله الذى قال عن هؤلاء إنهم لا يمثلون الإسلام فى شىء بل هم عالة عليه، وهم ينتسبون إلى عقلية الرجل الشرقى، وفى عالم الشرق تجد الاستبداد له مكانته المتميزة سواء عند الحكام أو الناس العاديين الذين لم يعرفوا من الإسلام سوى قشوره! وكل واحد من هؤلاء فرعون صغير فى محيطه!! ومن حسن حظى أننى عرفت فى حياتى العديد من الأصدقاء ينظرون إلى رمضان على أنه شهر التقوى ويختمون القرآن فى صلواتهم، وأخلاقهم مع الناس زى الفل، وكل واحد من هؤلاء يستحق تعظيم سلام! وهؤلاء هم الذين يمثلون شعب مصر الرافض للتطرف الدينى والعلمانية التى نجحت فى تحويل رمضان إلى شهر للهو!