ليست الدولة والحكومة.. لا الحزب الوطنى وأمانة سياساته.. ولا التليفزيون والصحافة وجميع المواقع الإلكترونية ومنتدياتها وشبكة الفيس بوك ومجموعاتها.. لا أحد من كل هؤلاء مسؤول عما نتبعه من سياسة انتقاء الفرائض والواجبات والطقوس والعادات التى نلزم أنفسنا بها، سواء فى شهر رمضان أو فى غير رمضان.. إنما نحن الذين نختار ذلك بمحض إرادتنا.. نختار من الإسلام الذى يعجبنا ويناسبنا ويوافق ظروفنا وهوانا.. نصوم ونحرص على أداء الفروض والتراويح والنوافل ونقوم الليل ذكرا وشكرا ونقضى ساعات النهار نقرأ القرآن ونمسك بالمسابح دعاء وحمدا وطلبا للرحمة والمغفرة.. لكننا وسط ذلك كله نرى الفساد فلا نقاومه.. نرى الخطأ فلا نحاول تغييره وإصلاحه.. نرى التجاوز والتعدى على حقوق الله والعباد فندير رؤوسنا لنرفع أيدينا صارخين.. الله أكبر.. لنشرع فى صلاة جديدة على أمل الاقتراب من الله أكثر.. وكانت النتيجة أننا أصبحنا أكثر أمة فى العالم صلاة وصوما وركوعا وقياما وقراءة للقرآن.. بينما فى تصنيف آخر نبقى أيضا فى قائمة الأكثر فسادا وخطايا.. والرياضة دليل واضح وظاهر وقائم ودائم على ذلك.. ففى أروقة مبنى المجلس القومى للرياضة وأى مبنى تابع لمديرية للشباب والرياضة فى أى مدينة مصرية وفى كل ناد أو اتحاد رياضى.. سنجد معظم الموظفين هذه الأيام يمارسون الشعائر الرمضانية طول الوقت.. الرجال فى الطرقات يؤدون الصلوات جماعة وبين الصلوات يجلسون إلى مكاتبهم يقرأون فى المصاحف الصغيرة بمنتهى الصدق والخشوع.. والنساء معظمهن محجبات خشين الله فغطين الرؤوس والأجساد.. لكن هؤلاء الموظفين غالبا لا تستوقفهم الأوراق التى تمر طول الوقت أمامهم ومن بين أيديهم ومن خلفهم مليئة بالجرائم والمطامع واغتصاب حقوق الغير وكل المسالك والمكاسب الحرام.. لا يزعجهم ولا يؤرقهم ذلك.. لا يشعر أى منهم بأن التصدى لهذا الفساد والإبلاغ عنه والوقوف ضده.. فرض من فروض الإسلام، وواجب على كل مسلم تماما مثل الصلاة والصيام وقراءة القرآن وصلاة التراويح فى المسجد.. ومقاومة الفساد تبقى قطعا طقسا رمضانيا أولى وأحق بالمتابعة والحرص والانشغال من مشاهدة المسلسلات والبرامج التليفزيونية.. وكنت ولا أزال أتخيل أن يأتينا شهر رمضان.. فيبدأ كل منا حربه الخاصة.. الملحة والعاجلة.. ضد أى فساد يراه أو يستشعره أو يصطدم به.. كنت ولا أزال أتخيل أن يأتينا شهر رمضان.. فيرفض موظف حكومى تزوير أو تفصيل محضر اجتماع لمجلس إدارة مركز شباب أو ناد أو اتحاد أو جمعية عمومية ويقف الموظف أمام رئيسه قائلا إنه لن يخالف شرع الله وأوامره وحدوده.. أو يرفض موظف تزوير تقارير مناقصة أو عهدة أو كشوف تسليم وتسلم لأنه سيعتبر هذا المال المنهوب مالاً لكل المسلمين، استباحته حرام وسرقته حرام والتستر على السارق والمستبيح أيضا حرام.. وموظف ثالث يرفض التلاعب بتقرير وشهادة لجنة ما بخصوص لاعب ما.. ورابع يرفض فساد وموات الذمم فيوافق ولو بالصمت العاجز على كشوف وهمية ينال بها طلبة وطالبات حافزا دراسيا أو مكافآت مالية دون وجه حق.. كلها حكايات لا أظنها تحتاج لرجال أمن أو رقابة إدارية أو جهاز مركزى للمحاسبات.. تحتاج فقط لمسلمين فى شهر رمضان الفضيل يحرصون على كل الفضائل دون اختيار أو انتقاء.. لا يحرصون فقط على العبادات وينسون أوامر الله لهم بألا يقبلوا الفساد وألا يسكتوا عنه. [email protected]