سوف يلفت نظرك، إذا أنت ذهبت إلى المغرب، أن الصحافة هناك تختلف عن الصحافة هنا، فى وجوه كثيرة، وبما أن صورة الصحافة، مع أشياء أخرى طبعاً، يمكن أن تشير لك، إلى أين يذهب البلد، فمن الضرورى والحال كذلك، أن نتوقف عند بعض الملامح العامة، ثم وهذا هو الأهم، عند معناها! مثلاً.. لا توجد صحيفة مغربية، واحدة فى العاصمة الرباط، وإنما توجد الصحف كلها فى الدارالبيضاء، وبين المدينتين 90 كيلو متراً، وإذا أرادت أى صحيفة، أن يكون لها وجود فى العاصمة، بحكم أهميتها كمصدر للأخبار، فيكفى أن ينشأ مكتب للصحيفة فيها وهو الحاصل فعلاً، وربما يكون هذا هو السبب الذى يجعل العاصمة هادئة، ونظيفة وجميلة لأن ابتعاد الصحف عنها، سوف يشجع الناس بالضرورة على أن يخرجوا منها، وسوف يقنع المواطنين، بأنهم يمكن أن يتواجدوا خارج عاصمة بلادهم، ثم يظل كل واحد فيهم، فى بؤرة اهتمام الدولة بدليل أن وسائل الإعلام وفى مقدمتها الصحف لا تجد مبرراً للبقاء فى العاصمة.. أما عندنا فهناك إحساس، وهو صحيح فى أغلب الأحوال، بأن المواطن المقيم بعيداً عن القاهرة ليس فى ذهن الحكومة، ولا يشغلها فى شىء! الوجه الثانى، أن المغرب ليس فيها صحافة تملكها الحكومة، وإنما الصحافة هناك، إما مستقلة، وإما حزبية، ولا ثالث لهما، ويظل التفوق للمستقلة انتشاراً وتوزيعاً، وعندهم منها أربع صحف أساسية: المساء، الصباح، أخبار اليوم، الأحداث. وتوزع الأولى مائة ألف نسخة يومياً وهى أكبر صحيفة فى البلاد، وتوزع «أخبار اليوم» 20 ألف نسخة، وهى الرابعة توزيعاً، مع الأخذ فى الاعتبار أن سكان البلد 35 مليوناً! أما التليفزيون فهو على العكس لأن الدولة تملكه بالكامل، ولا توجد قنوات خاصة إلى الآن، وإن كانت هناك إذاعات خاصة! وربما يكون لمساحة الحرية لديهم حديث آخر، ولكن هناك وجهاً ثالثاً، فى مسألة الصحافة المكتوبة يبقى مهماً، وهو أن كل صحيفة لا تلتزم فقط بالإعلان عن أرقام توزيعها أمام قرائها، وإنما تكتب ذلك يومياً على صفحاتها.. فصحيفة «الاتحاد» مثلاً، وهى لسان حال الاشتراكيين، كتبت على صفحتها الثانية، أمس الأول، أن عدد ذلك اليوم، أى يوم الجمعة، قد تم طبع 22 ألف نسخة منه، بما يعنى أن هناك احتراماً واجباً للقارئ، باعتباره فى النهاية مستهلكاً لسلعة هى الصحيفة أياً كان اسمها! وقد قلنا وسوف نظل نقول إن إعلان أرقام توزيع الصحف فى مصر، مسألة ضرورية للغاية، لأن المعلن من حقه أن يعرف أرقام توزيع المطبوعة التى سوف يعلن فيها عن أى سلعة ينتجها، وهو حين يعلن، فإنه يضيف تكلفة الإعلان، على ثمن السلعة، بما يعنى أن المستهلك هو الذى يتحمل التكلفة فى كل الأحوال.. ولكن.. متى كان للمستهلك فى بلدنا اعتبار؟!.. وبعبارة أخرى متى يكون له اعتبار؟!