إذا احتكمنا إلى الخطاب السياسى لقوى المعارضة، على اختلاف مواقعها، فسوف نجد أن موقفها من الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة يبدو موحدا حول عدد من الأمور الأساسية، أهمها: 1- أن المعارك الانتخابية هى معامل لاختبار جماهيريتها وفاعليتها وقدرتها على ممارسة العمل السياسى، ومن ثم فعليها أن تكون جاهزة ومستعدة لخوضها فى أى لحظة. أما قرار المشاركة فى انتخابات بعينها من عدمه فمن الطبيعى أن يخضع لاعتبارات وحسابات أخرى تتعلق بمدى توافر الحد الأدنى اللازم لضمان نزاهتها وشفافيتها فى كل مرة. 2- أن النظام الحاكم يبدو مصرا على تزوير الانتخابات المقبلة، باعتبارها فرصة أخيرة لتمرير «مشروع التوريث»، وبالتالى القبول بالمشاركة فى خوضها وفقا لقواعده وشروطه هو تعد مشاركة فى جريمة التزوير بتوفير غطاء شرعى لها. 3- أن الحزب الحاكم لن يقبل بضمانات النزاهة والشفافية إلا إذا أجبر على ذلك، وهو ما لن يحدث إلا بممارسة أكبر قدر ممكن من الضغوط المحلية والدولية عليه. هذه المساحة المشتركة من التوافق بين قوى المعارضة، وهى ليست بالضئيلة، يفترض أن تفضى إلى تنسيق تلقائى فيما بينها لتحقيق الأهداف التالية: 1- توحيد الجهود الرامية لممارسة أكبر قدر ممكن من الضغوط على النظام الحاكم لحمله على توفير الحد الأدنى لضمان نزاهة وشفافية الانتخابات المقبلة. 2- اتخاذ موقف موحد من هذه الانتخابات، مقاطعة أو مشاركة، فى حال عدم الاستجابة للحد الأدنى من الضمانات المطلوبة. 3- التنسيق المشترك فى كل ما يتعلق بإدارة العملية الانتخابية، فى حال اتخاذ قرار جماعى بالمشاركة فيها، للاتفاق على المرشحين فى الدوائر، ولحشد وتعبئة الناخبين، ولاتخاذ إجراءات جماعية للتصدى لمحاولات التزوير. لتثبيت مساحة التوافق التى تبلورت على هذا النحو، يتعين على قوى المعارضة أن تحدد، بوضوح، ما تعتبره حدا أدنى لضمان نزاهة الانتخابات. وهنا يتعين الاعتراف بأن بعض التباين فى مواقف قوى المعارضة مازال قائماً. فالاستجابة للمطالب السبعة للجمعية تتطلب تعديلات دستورية، خاصة للمادتين 76 و88، يرى البعض أن أوانها قد فات ولم تعد «واقعية»، ويطرح، بدلاً من ذلك، سقفاً أدنى لضمانات، يمكن الاستجابة إليها بقرار بقانون يستطيع رئيس الجمهورية أن يصدره فى أى وقت، تدور فى معظمها حول: 1- إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات بحيث يصبح أغلب أعضائها من القضاة، الحاليين والسابقين، ويتم اختيارهم بواسطة الجمعيات العمومية لمحاكم الاستئناف والإدارية العليا. 2- تعديل اختصاصات هذه اللجنة بما يمكنها فعليا من السيطرة الكاملة على العملية الانتخابية، بدءاً بإعداد الجداول وحتى إعلان النتائج. 3- توفير ضمانات كافية لممارسة رقابة شعبية حقيقية على الانتخابات، من جانب مندوبى المرشحين ومنظمات المجتمع المدنى فى الداخل. تصلح هذه المقترحات، فى تقديرى، كأساس لمناقشات جادة بين مختلف قوى المعارضة، رغم انخفاض سقفها، إذا اقتنعت بأهمية الفصل تكتيكياً فى هذه المرحلة بين الانتخابات التشريعية والرئاسية وبضرورة حصر النقاش الآن على التنسيق فى الانتخابات التشريعية. لكن السؤال: هل تستطيع قوى المعارضة توفير ما يكفى من الضغوط لإقناع رئيس الجمهورية بضرورة إصدار قرار بقانون يستجيب لهذه المطالب الدنيا؟ وما الذى يتعين عليها القيام به إذا لم يستجب الرئيس؟