إذا كنت مسافراً إلى الساحل الشمالى إليك هذه النصائح.. أولا:لا تسافر فى يوم جمعة.. ثانياً: إذا اضطررت للسفر فى يوم جمعة لا تصلى فى الجامع الصغير على الطريق القادم من مارينا.. ثالثا: صلى فى جامع تانى.. رابعاً: حاول أن تبدو بسيطاً وجاداً كأنك تاجر شنطة فى رحلة عمل.. خامساً: عندما تستمع إلى الخطيب، يتهم الذاهبين إلى الساحل الشمالى بأنهم كفرة وفجرة، إعمل عبيط وواصل الاستماع إلى الخطبة واخرج من الجامع بسلام.. الحقيقة هى أننى فعلت عكس كل تلك النصائح.. وسمعت فى خطبة الجمعة كلاماً فى المصطافين لم يقله مالك فى الخمر.. كان الخطيب يحكى عن صفات المؤمنين الحامدين العابدين الشاكرين ثم السائحين.. وعن هذه الكلمة بدأت حملة التكفير.. قال السائحون هنا هم الذين يسافرون إلى بلاد الدنيا لنشر الإسلام والدعوة إلى عبادة الواحد القهار.. وليس مقصوداً بها أولئك الفاسقين الذين يذهبون إلى الشواطئ وإلى المصايف وإلى البحر ينشرون الفساد والرذيلة أولئك هم الفجار.. لعنة الله عليهم فى كل زمان ومكان.. نظر لى بعض المصلين المسافرين مع عائلاتهم إلى الساحل وعيونهم يملؤها القلق والغيظ والإحساس بالإهانة.. كان أغلبية المصلين من العمال والعرب والبدو والبسطاء ودارت العيون إلى الأفنديات المسافرين على طريق وادى النطرون.. كانت كلمات الخطيب من فوق المنبر تحمل لهجة تحريضية خشيت أن تستفز القبائل البدوية فيخرجون علينا ويضربوننا ضربة رجل واحد.. وحد الله، هكذا قلت للخطيب بعد الصلاة واستطردت: تعرف الحديث الشريف «من كفر مؤمنا فقد باء بها أحدهما».. يعنى إما هو كافر فعلاً كما اتهمته، يا إما مدعى الاتهام هو الكافر.. حرام عليك يا شيخ.. هذا خطاب ترويع وإرهاب.. اتق الله.. راح يبرر لى ما يقصده وقال إنهم ربما يكونون فجرة وليسوا كفاراً.. تأملته وهو يتكلم.. رجل بسيط جداً بجلباب قديم متواضع.. وهو ليس أزهرياً ولكنه متطوع للخطبة.. وسألت نفسى ماذا أفعل لو كنت مكانه.. مواطن كادح محروم من حياة آدمية كريمة وثقافته انتهت عند الكتب الصفراء.. ماذا يتبقى أمامه من اختيارات.. هما اختياران فقط إما الجنة وإما الجنون.. ثم إن منتجع مارينا والساحل الشمالى أصبح رمزاً صارخاً لغياب العدالة الاجتماعية وشاهداً على حرمان الفقراء وتخمة الأثرياء وهو أيضاً منتهى أمل الطامحين فى قفزة مادية كبرى ونقلة اجتماعية كبرى مثل أسماء الفلاحة التى ندهتها النداهة وانبهرت بالدكتور حازم والقبطان مراد، وقررت أن تبيع فدان أرض وتعلم ابنتها فى الجامعة الأمريكية، وأن تبنى لابنها شبكة علاقات اجتماعية قوية مع أصحاب النفوذ، وأن تذهب لتصطاف فى مارينا، مستخدمة فى ذلك كل أسلحة مكر الفلاحين ونضال الأرامل وتراثاً شعبياً يؤكد لها أن المرأة إذا أرادت تصبح فى قوة ستبنى راجل.. لكنها للأسف الشديد راحت فى ستين داهية تهديداً بالسجن مرة وبالوقوع فى الغواية مرة أخرى.. إنها لعبة الحياة التى صورتها ريم بسيونى فى روايتها الجميلة (أشياء رائعة)، ولكن يبقى السؤال دائماً.. رائعة من أى جانب؟.. لخبطة.. نتهمهم بأنهم كفرة فجرة، ولكننا فى الوقت نفسه نحسدهم ونحقد عليهم.. وعلى رأى أحد أصحابى كان شديد الإعجاب بحياة الفرنسيين وكان يقول فى تحسر.. يا عينى على كفار باريس. [email protected]