شطب صدام حسين من كتب التاريخ فى المدارس العراقية!، قرأت هذا الخبر ولم أندهش فالشطب مرض عربى ومصرى قديم لم تستطع كل أدوية العالم أن تعالجه، والتاريخ من المحيط إلى الخليج هو تاريخ الحكام وليس تاريخ الشعوب، ولذلك فالحذف والإضافة رغبة سلطة تأمر فتطاع وتزيف فتصدق!، وبرغم كراهيتى لصدام حسين ونظامه إلا أن التاريخ لايكتب بطريقة الاستلطاف وإنما تحكمه الحقائق حتى ولو كانت صادمة وترسمه الأحداث حتى ولو خالفت الهوى والمزاج، فالتاريخ يكتبه الطيب والشرير، وأحياناً يكون دور الشرير فيه أهم وأخطر!. قصة شطب صدام ليست أولى حلقات سلسلة الشطب التاريخى العربى المزمن، ومافعله النظام العراقى الحالى فعله النظام المصرى قبل ذلك، فأنا أتذكر أننى لم أعرف من هو محمد نجيب ولم أعرف أنه كان رئيساً لمصر إلا بعد وفاة عبد الناصر، وبالطبع لم أعرف تلك المعلومات من كتب التاريخ المدرسى بل عرفتها من والدى، قالها وهو يتلفت حوله خوفاً من أن يسمعه أحد بالرغم من أننا كنا وحدنا فى الحجرة!. كيف استطاع نظام بصرامة فولاذية مذهلة أن يخرس الجميع ويحتفظ بهذا السر الرهيب فى شعب يعشق الثرثرة، ويقتل رجلاً حياً برتبة رئيس سابق برصاصة التجاهل؟!، ذكرنى شطب محمد نجيب من كتب التاريخ ومن نميمة المقاهى ومن الحياة نفسها بشطب الملك فاروق الذى شطبته ثورة يوليو من أفلام السينما بشخبطة سوداء مهزوزة على كل لقطة للملك حتى ولو كانت فى برواز صورة بعيدة على حائط، وكلنا يتذكر أغنية عبد الوهاب فى فيلم «غزل البنات» والشخبطة تتلاعب فى الخلفية مثل صرصور تائه على الحائط، وكما حذفوا الملك من السينما حذفوه من الأغانى وهناك أشهر أغنية تغنيها مصر فى ليلة العيد لأم كلثوم لايعرف معظمنا أن فيها أبياتاً مشطوبة مثل يعيش فاروق ويتهنى ونحيى له ليالى العيد، والليلة عيد ع الدنيا سعيد عز وتمجيد لك يامليكى، حتى الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل شطب من أرشيفه مقالاً فى يوم عيدك يامولاى الذى قال فيه «لقد علمت مصر كيف تحبك من يوم أن تفتحت عيناك على نور الدنيا، فلم تكن وأنت أمير طفل تترك فرصة لتُظهر فيها عطفك على بنيها واعتزازك بها إلا أظهرتها، وكنت دائما فى كل مكان تشعر بأنك المصرى الديمقراطى الأول، فكنت فى كل مكان خير رمز لمصر وأحسن عنوان لها.. ولقد أخذ التفكير فى مصر كل وقتك، وأخذت تعمل.. فى عيد ميلادك تركت قصرك وعاصمة ملكك وذهبت إلى الصعيد لتزور جزءا من شعبك حلت به نكبة المرض، وقلت: إن أحسن احتفال بالعيد هو أن ترى هؤلاء البؤساء ويروك»!!. شطبت كل أغانى عبدالحليم حافظ عن ناصر والثورة فى عصر السادات ولم نكن نسمعها إلا من خلال إذاعة ليبيا الموجهة للهجوم على نظام السادات!!، كل حاكم وكل نظام للأسف يتخيل أنه بداية التاريخ، ولا يفقه أن الوطن أكبر وأسمى من الأشخاص. التاريخ من الممكن أن يصيبه الطناش المؤقت لكنه أبداً لايصاب بالزهايمر. [email protected]