غزيرة هى الأخبار التى تطالعنا بها وسائل الإعلام عن سيناء منذ فترة ليست بالقصيرة، لكنها، مع ذلك، لا تفيدنا كثيرا فى معرفة حقيقة ما يجرى فى هذه المنطقة بالغة الحساسية من أرض مصر. ولأن الأبعاد السياسية والأمنية والتنموية باتت متداخلة ومختلطة لدى صناع القرار فى مصر، فقد أصبح من المتعذر تماما حصر اختصاصات الأجهزة المسؤولة عن ملفات سيناء، أو تحديد مسؤولياتها، أو متابعة وتقييم أدائها. فمنذ أيام طالعتنا الصحف المصرية بأنباء عن اشتباكات مسلحة وقعت بين قوات الشرطة ومسلحين، سقط خلالها قتلى وجرحى من الطرفين، وأنباء أخرى عن تفجير خط الغاز الدولى. ويبدو أن الأمور ساءت مؤخرا على كل المستويات إلى الدرجة التى اضطر معها وزير الداخلية لاستدعاء شيوخ القبائل ورؤوس العائلات ونواب مجلس الشعب للاجتماع بهم فى القاهرة. وقد أشارت الصحف الصادرة صباح الأربعاء الماضى إلى أن هذا الاجتماع خُصص «لبحث الأوضاع المتدهورة بين قوات الشرطة وأبناء القبائل الذين تدعى قوات الشرطة أنهم مطلوبون أمنياً». هل تذكرون كلمات أغنية شادية التى يقول أحد مقاطعها «سينا رجعت تانى لينا ومصر اليوم فى عيد»، التى كانت تنطلق آلياً لتغمر كياننا كله وتشعرنا بالبهجة فى كل مرة تصل فيه كلمة سيناء إلى أسماعنا؟ من يصدق أن عمر هذه الأغنية الجميلة تجاوز 28 عاما، هو عمر «تحرير» سيناء الآن، ومن كان يصدق أن هذا الجزء الغالى من تراب مصر، الذى سالت فوقه دماء شهداء أبطال دفاعا عن أمنها الوطنى، سيصبح، وبعد كل هذه الفترة الطويلة، مسرحا لمعارك بين قوات الشرطة والأهالى، وليس واحة رخاء واستقرار؟ ومن المسؤول عن تحويل أعيادنا هكذا إلى أحزان؟ هل هى إسرائيل التى مازالت تتحين كل فرصة لتعود إلى احتلال سيناء، كما تقول وثائق صادرة عن جهات إسرائيلية؟ أم هو الإرهاب الذى لايزال يتربص بأمن مصر واستقرارها، كما تدعى أجهزة الأمن المصرية؟ أم هم قطاع طرق وتجار مخدرات مازالوا يصرون على أن تبقى جبال سيناء ووديانها ساحة لزراعة وتجارة السلع المحرمة؟ أم هو الفساد الذى يسعى للاستيلاء على خيرات مصر وانكشفت بعض جرائمه مؤخرا؟ أظن أنه ذلك كله، وأن هناك مسؤولاً رئيسياً عنه هو النظام الحاكم. النظام الحاكم أصبح هو المسؤول الرئيسى عما آلت إليه الأوضاع فى سيناء، حين فرط فى أمن مصر الوطنى، متيحا لإسرائيل فرصة لم تكن تحلم بها للتدخل فى شؤون مصر الداخلية واستباحة سيناء، وحين تساهل مع الفساد وسمح بانتشاره، متيحا بذلك الفرصة لاستيلاء أصحاب النفوذ على أهم مصادر الثروة والقضاء على كل أمل فى تنمية متوازنة، وحين تعاملت أجهزته الأمنية بوحشية مع سكان سيناء بحثا عن المتورطين فى عمليات إرهابية، متيحاً بذلك الفرصة لاتساع فجوة الثقة مع الشعب. ما يجرى فى سيناء هو أكبر دليل على فشل نظام كان بوسعه، نظريا على الأقل، استثمار «حالة اللاحرب» فى بناء دولة حديثة ومتقدمة، وهو فشل يذكرنا من جديد بأن «عملية السلام» لم تكن فى واقع الأمر سوى أداة لتكريس التخلف وإضعاف مصر وربما تفتيتها إن استطاع الأعداء إلى ذلك سبيلا.