لا نعرف عن مروة الشربينى سوى تلك الصورة الشهيرة لها ولزوجها فى عرسهما، وأخرى جمعتهما مع طفلهما مصطفى، ولكن وفى ذكرى وفاتها الأولى نرى أن لحياة مروة جوانب أخرى. فى السابع من شهر أكتوبر عام 1977 كان مولدها، طفلة كغيرها من الفتيات ذكية منتبهة لما حولها، تمشى خطواتها الأولى ترعاها محبة والديها وحنان أخيها طارق الذى يكبرها بست سنوات، يعاملها كابنته لا كشقيقة صغرى. تلتحق الصغيرة بمدرسة كلية النصر للبنات فى الشاطبى بالإسكندرية وتتفوق بها وتصير فى غالبية مراحل تعليمها رئيسة طالبات المدرسة لا لتفوقها وحسب ولكن لخلقها الذى منحها موضعا فى لوحة الشرف كل عام. ولا يقتصر تفوق مروة على هذا وحسب ولكن يمتد لفريق كرة اليد بالمدرسة الذى يؤهلها للعب فى فريق نادى سموحة ثم منتخب مصر لليد للبنات. تكبر الفتاة بالتزامها ومبادئها تسعى للخير أياً كانت مشقته، من صغرها ترعى أيتاماً وتدخر لهم من مصروفها مبلغا كان يزداد مع سنوات عمرها. تلتحق بكلية الصيدلة بجامعة الإسكندرية وتتخرج فيها، يأتى الشباب طالباً الزواج منها، فترفض الأم أى عريس يعيش فى مدينة غير الإسكندرية أو يعمل خارج مصر، تريد لابنتها أن تعيش بجوارها فهى لا تطيق فراقها. يأتى الدكتور علوى عكاز شاب متفوق مجتهد يسكن الإسكندرية، عريس مكتمل الصفات تكتشف مروة أنه كان نفس دفعتها فى مدرسة النصر حتى نهاية المرحلة الابتدائية، آخر مرحلة للذكور فى المدرسة، ذات الدفعة.. يا لهذا القدر. تتم خطبتهما وترفض مروة لإقامة فرح يتكلف 30 أو 40 ألف جنيه تراه بذخاً وإسرافاً لا مبرر له، ولكن الأسرة تصر «هو إحنا عندنا كام مروة». تستجيب لضغوطهم ويتزوجان فى العام 2004. يلعب القدر لعبته ويمنح علوى بعثه لنيل الماجستير والدكتوراه من ألمانيا. مروة لا تحب العيش بعيداً عن أسرتها أو مصر ولكنها لا تستطيع ترك رفيقها بمفرده فى الغربة فتسافر لتعينه على الحياة هناك. فيرزقهما الله بمصطفى، تتأقلم مع الحياة وتجيد إلى جوار الإنجليزية والفرنسة، الألمانية. لا تنزل مصر إلا وتحضر هدايا لجيرانها وأصدقاء زوجها من الألمان تعبر لهم بها عن حضارة وطنها، فكانوا يصفونها بالكرم. يا لها من صورة رائعة لامرأة عربية فى بلاد تعانى شذوذ النازيين الجدد. آه.. «مشيناها خطا كتبت علينا.. ومن كتبت عليه خطا مشاها» ليتها لم تمش بمصطفى للحديقة المجاورة لمنزلها فى دريسدن يوم التقت قاتلها وسبها وهددها بالانتقام من ابنها. ولكن لا تفيد ليت فى شىء، كل شىء بقدر. ها هى يوم الاثنين 29/6/2009 تتحدث لشقيقها طارق على الهاتف وتشكو له سوء معاملة البعض لها بسبب حجابها، يصبرها ويشد من أزرها ويغلق الخط معها. فى اليوم التالى الثلاثاء 30/6 تتحدث لوالديها على الهاتف وتحكى لهما أخبارها وأخبار زوجها وابنها وتعلمهما بذهابها للمحكمة فى اليوم التالى للاستماع لأقوالها فى حادث التعدى عليها منذ عام. تودعهما بعبارات رقيقة وتبثهما شوقها وتنهى المكالمة بعبارة: «لا إله إلا الله» فيجيبونها: «محمد رسول الله». فى اليوم التالى يحدث ما حدث وتأتى النهاية سريعة حزينة مفجعة. يقول الشقيق الأكبر طارق: «ليتنى طلبت منها عدم الذهاب للمحكمة، ولكن من كان يدرى أن كل هذا سيحدث. أتذكر فى آخر زيارة لها لمصر طلبت من أبى أن يشترى مدفناً للعائلة فى الإسكندرية وضاحكته بقولها إنها لا تريده أن يدفن هو أو أمى فى مدافن العائلة بالمنصورة، لأنها ستحب زيارتهما باستمرار كما كانت تفعل فى حياتهما. وعندما ماتت لم يكن أبى قد فعل ذلك ولذا أصر على دفنها بالإسكندرية فى مدفن اشتريناه سريعاً. ما زلت أحتفظ بخطاب كتبته لى بالإنجليزية فى عيد ميلادى 25 أقرؤه كلما اشتد بى الحنين لها، كانت تقول لى فيه إلى الشخص الذى أحب مهما فعل، وأفتقده أينما ذهب وعبرت لى فيه عن رأيها فى أن الله يدخر لى الأمور الجيدة ليمنحها لى فى الوقت المناسب وكيف أننى أفضل أخ. كم أفتقدها». التغيير لم يطل أسرة مروة الكبيرة وحسب ولكنه طال أسرتها الصغيرة أيضاً، فدكتور علوى رحل عن ألمانيا كلها لم يستطع إكمال حياته بها بعدها، لملم ما بقى منه ومنها ورحل لإنجلترا يكمل بها مشوار علم ومعه ابنه مصطفى، مؤثرا الصمت الذى لازمه من البداية.