اعترضت منذ سنوات على تبرعات بعض النقابات للمجاهدين الأفغان الذين خرج من بينهم بعد ذلك بن لادن والظواهرى وأعضاء تنظيم القاعدة لينقلبوا على أمريكا التى صنعتهم كفزّاعة للاتحاد السوفيتى، كنت معترضاً لأن المحرك والحافز دينى طائفى وليس محركاً وطنياً أو حافزاً مصرياً، ولأننى لم أجد نفس الحماس فى جمع التبرعات لصالح الأقباط ضحايا زلزال المقطم أو الكشح أو الزاوية الحمراء أو نجع حمادى، وتعدى الانحياز الطائفى العنصرى وتجاوز جدران النقابات إلى ساحة المجتمع المصرى ككل، وارتفعت وقتها نغمة أن المسلم الأفغانى والشيشانى أهم من القبطى المصرى، وضخمت تلك النغمة وعزفت عليها أوركسترا الإخوان المسلمين حتى ترسخت فى عقول المصريين فصاروا يفضلون المسلم الأفغانى والشيشانى على القبطى المصرى، يمجدون ويصلون ويدعون لمن هم على بعد آلاف الأميال ولايربطنا بهم أى تاريخ أو لغة أو حوار إنسانى أو ثقافة مشتركة، ويتجاهلون الصديق والجار والزميل القبطى الذى يفهم النكتة التى أطلقها فيضحك، ويشاركنى حزنى فيعزينى، ويأكل معى الفول المدمس والبصارة والطعمية، ويشجعنى مثل ما شجعنى أستاذى لويس جريس أول من نشر لى مقالاً جعله مانشيتاً على غلاف مجلة صباح الخير، ويربت على كتفى فى امتحان الشفوى مثلما فعل ملاك الجراحة الحنون د. مفيد سعيد الذى مسح بابتسامته الجميلة المطمئنة رهبة أقسى امتحانات السنة النهائية فى كلية الطب. ماذا حدث لمصر حتى تتبنى مفهوم الأممية الإسلامية وترفعه فوق مفهوم الوطنية المصرية؟!!، لماذا انتشرت هذه الأيام مفاهيم التطرف والتوجس والتربص وعبارات «العضمة الزرقا» و«ماتاكلش عند واحد مسيحى أو ماتشربش قهوة من إيده»؟، أنا أعرف أن التوجس صار مشتركاً بين المسلم والمسيحى، ومتأكد من أن هناك أفكاراً متزمتة داخل بعض الأوساط المسيحية مثلما هى داخل الأوساط المسلمة، ولكن لأن المسلمين هم الأغلبية فهم الذين يجب عليهم التحرك والمبادرة وتنقية الأجواء، ويجب علينا أن نمنع الفعل حتى لا نندهش من ردود الفعل. يجب أن نبدأ بالقضاء على مفهومين فى غاية الخطورة، الأول هو ما نراه من إحجام مسؤولين عن توظيف الأقباط وإهدار معيار الكفاءة وإعلاء معيار الانحياز الدينى، يجب تعيين الأكثر كفاءة لا الأقصر جلباباً أو الأطول لحية!، والثانى هو إغلاق المدارس الخاصة التى لا تقبل المسيحيين، وأيضاً عدم فرض نصوص دينية إسلامية للحفظ فى منهج اللغة العربية، أما عدم تكافؤ الفرص فى كليات طب وصيدلة وهندسة الأزهر فحدث ولا حرج، فهو يطرح سؤالاً مهماً وهو: هل من الممكن أن نسمح بكلية طب اللاهوت أو الهندسة الإنجيلية؟! هذا البلد حارب من أجله الرئيس حسنى مبارك والمشير طنطاوى وأبوغزالة والجمسى وعبدالعاطى صائد الدبابات، مثلما حارب فؤاد عزيز غالى وفريد عزت وهبة وباقى زكى يوسف، صاحب فكرة فتح الثغرات فى الساتر الترابى، وإذا كانت أول دماء جندى شهيد قد سالت على أرض سيناء هى للجندى محمد حسين سعد، فإن اللواء شفيق مترى سدراك كان أول من اختلطت دماؤه من القادة بدماء شقيقه محمد، ضحى الاثنان بالروح والدم من أجل وطن واحد، وانتماء واحد لا يعرف الملا عمر أو حكمتيار أو عبدرب الرسول سياف، بل يعرف وطناً واحداً اسمه مصر.