لأول مرة منذ ما يقرب من 17 عاماً، يصبح شارع «الخلاء التونسى» اسما على مسمى، بعدما خلا من الخيام المترامية فى كل مكان على جانبيه ووسطه وبين الأزقة والحوارى المتفرعة منه، إلا من المارة الذين لم يفارق لسانهم سؤال واحد «هو سوق الجمعة راحت فين؟» مجدى محمد العشرى كان واحداً من بين المئات، الذين توافدوا على سوق شارع التونسى وشهرتها «سوق الجمعة»، ليودع السوق التى ارتبط بها طوال ال20 عاماً ماضية، منذ أن كانت السوق مقامة بالقرب من مسجد الإمام الشافعى فى حى السيدة عائشة، وقف متكئاً على إحدى السيارات الموجودة فى الشارع، قائلاً «بقى لى 20 سنة وأنا مش بسيب جمعة واحدة إلا وآجى السوق». ثم رمى نظرة خاطفة على الأماكن التى يتردد عليها، مضيفاً «كل يوم جمعة أركب من الجيزة حيث مسكنى، متوجهاً إلى مقابر عائلتى فى السيدة عائشة، لتبدأ بعد ذلك جولتى فى السوق التى أخرج منها فائزاً بقطعة ملابس لى أو بعض المستلزمات المنزلية لزوجتى، وبأسعار فى متناول الجميع، أما الآن وبعد الحريق الذى شب بالمنطقة لم أتمكن من ذلك، خاصة أنهم سوف ينقلون السوق إلى مدينة 15 مايو». وأثناء حديثه إذ بسيدة تقاطعه «هو السوق فين لو سمحت هو مفيش سوق النهاردة»، ليرد مجدى «السوق اتحرق يا حاجة وحرق معاه الناس الغلابة». لم يكن مجدى وحده هو الذى جاء ليلقى بنظرة وداع على السوق، وإنما شاركه عشرات المواطنين، الذين لم يتمكنوا من الدخول إلى السوق، بعدما تحولت إلى أكومة ترابية سوداء تتصاعد منها الأدخنة، رغم مرور ثلاثة أيام على حادث الطريق، حيث اصطف المواطنون أعلى كوبرى التونسى، خاصة فى مكان وقوع الحادث، تاركين سياراتهم على جانب الكوبرى، لالتقاط الصورة التذكارية لآخر مشهد رسمه حريق السيارة على بقايا ملامح سوق الجمعة. سكان شارع الخلاء التونسى انقسموا إلى معسكرين أحدهما مؤيد لفكرة نقل السوق، واصفين إياها ب«النقلة الحضارية»، والآخر أبدى غضبه من الفكرة ووصفها بأنها «خراب بيوت» سواء بالنسبة للباعة أو بالنسبة إليهم أيضاً. أحمد عبدالعاطى، أحد سكان المنطقة المؤيدين لفكرة نقل السوق، قال: «منذ ولادتى بالمنطقة وأنا لم أر يوم جمعة هادئاً، فعلى الرغم من ارتباط يوم الجمعة بأذهان المصريين على أنه يوم راحة وهدوء واسترخاء، إلا أنه يمثل النقيض تماماً بالنسبة لسكان شارع التونسى». وأشار عبدالعاطى إلى سيارته الشخصية، مضيفاً «حتى سيارتى لا أستطيع تركها أمام منزلى، وأظل أبحث لها عن مكان من الخميس من كل أسبوع لحين انتهاء السوق، التى تتخللها أعمال شغب وسرقات، نظراً للتجمعات الهائلة، التى تشهدها السوق كل جمعة». أما صالح محسن أحد ساكنى المنطقة، الذى يعمل فى الوقت نفسه بائعاً فى السوق منذ 6 سنوات، بعدما فشل فى إيجاد فرصة عمل، كان من أكثر المعارضين لفكرة نقل السوق، خاصة إلى منطقة 15 مايو، نظراً لبعد المسافة، وهو ما سوف يتنج عنه إحجام الناس عن السوق. وقال صالح: «أغلب السكان الذين يؤيدون فكرة النقل، كانوا من أكثر الناس استفادة من بائعى السوق، حيث كانوا يحصلون ما يسمى «بالأرضية»، وهى الحصول على مبالغ مالية مقابل السماح للبائع باستغلال المساحة أمام منزله». انهمار دموعه وانخراطه فى البكاء كانا كفيلين بتلخيص المعاناة التى عاشها عبدالناصر إسماعيل بعد حريق السوق، وضياع تجارته التى تحولت بين ليلة وضحاها إلى تراب، فهو كغيره من آلاف التجار الذين فقدوا كل ممتلكاتهم فى الحريق، ولا يعرفون ما المصير الذى ينتظرهم بعد الخسائر، التى فقدوها وبعد نقلهم إلى 15 مايو.