حكايات من بيت النبوة: نبي الوفاء.. شاكر الجميل

كان النبى، صلى الله عليه وسلم، شديد الوفاء مع نسائه، ومع من يقدمون له جميلاً ويصنعون له من المعروف صنيعاً.
كانت عائشة، رضى الله عنها، تجلس معه فى حجرتها ودخلت امرأة عجوز عليهما. وقف الرسول ليسلم على الضيفة، ثم فرش لها فرشاً تجلس عليه، وأطعمها وأكرمها، وأعطاها هدية وهى مغادرة.
تقول عائشة إنها «غارت» من هذه المرأة، وسألته مندهشة عن اهتمامه ب«هذه العجوز يا رسول الله»، فأجابها: «كانت تأتينا أيام خديجة، وإن كرم العهد من الدين». يكمل صاحب «إتحاف السادة المثقفين» أن عائشة استطردت: يا رسول الله، إن خديجة كانت عجوزاً، وإن الله أبدلك خيراً منها. فرد عليها النبى، رغم علمه بأن كلامه قد يغضبها، وهى أحب زوجاته إلى قلبه، «والله ما أبدلنى خيراً منها، آوتنى حيث طردنى الناس، ونصرتنى حين خذلنى الناس، وصدقتنى حين كذبنى الناس، وآمنت بى ورزقنى الله منها الولد. فسكتت عائشة ولم تعقب».
لم ينس، وهو أفضل الخلق، ما رأى أنه من أفضال زوجته الراحلة عليه، حتى فى مواجهة عائشة. سأله عمرو بن العاص عن أحب الناس إليه؟ فأجابه النبى الكريم بعفوية «عائشة».
ولد محمد يتيم الأب، وماتت أمه، آمنة بنت وهب، وهو ابن 6 سنوات، فهو لم يعش معها كثيرا، لكنه مع ذلك يستأذن ربه فى زيارة قبريهما، فأذن له. كان يزور القبرين، كل حين، يبكى حزناً، من أنهما فارقا الحياة قبل بعثته ولم يسلما، وكان يخشى عليهما عذاب الآخرة، لهذا سأل ربه ما هو أعظم من السماح بزيارة القبرين، «أن يستغفر لهما» فلم يأذن له، ونهاه عن الاستغفار للمشركين والكافرين، ولو كانوا من أقاربه. عانت ابنته فاطمة، رضى الله عنها، الكثير فى بداية الدعوة.
كانت تصب الماء على وجهه الكريم، لتطهره من التراب الذى طارده به الكفار عند الكعبة. يبدو فعلا عاديا من ابنة لأبيها، لكنه لم ينس لها ذلك. كلما دخلت عليه وقف ليسلم عليها ويقبل جبينها، ويجلسها على فراشه بجواره. وحين أصبحت زوجة لعلى بن أبى طالب، كان يصر على إيصالها لمنزلها بعد كل زيارة منها لبيت النبى، وتروى فاطمة كيف تألم، لأنه فى مرض موته لم يستطع أن يقوم لتوديعها كما اعتاد أن يفعل منذ زواجها، وبكى حزنا، حتى أبكاها معه، وعليه.