أين تقع المغرب؟ سؤال بديهي يستطيع الإجابة عليه أي طفل في المرحلة الابتدائية، ولكن اسمحوا لي أن أقص عليكم حكايتي مع هذا السؤال .. و تعود القصة إلى بضع سنوات مضت. كنت أتناقش مع إحدى الزميلات في المرحلة الجامعية حول عدد من الأمور العامة، وتطرق الحديث بدون سبب عن المغرب "الدولة" واذ بها تقول لي "مش المغرب دي في آسيا"؟، طبعا صُدمت واندهشت وصعقت وذهلت وعشرات المرادفات المتشابهة، ولكني رغم ذلك حافظت على المتبقي من وعيي، وبدأت محاولة الإقناع بالمنطق ومن دلالة الاسم أنه يدل على منطقة تقع في الغرب على الخريطة، استدليت بالمباراة الشهيرة بين منتخب كرة القدم المصري والمغربي التي اخرجتنا من التأهل لكأس العالم، أخذت قلمي ورسمت خريطة مبسطة، كل هذه المحاولات باءت بالفشل الذريع، وظلت هذه الزميلة مصصمة على رأيها القائل بأن المغرب تقع في أسيا وتجاور سوريا وتركيا " والحتت دي" على حسب قولها، تلفت حولي مذعورا خائفا حتى مر بجواري أحد الأصدقاء المشتركين، أمسكت بتلابيبه وأجلسته عنوة والتمست منه العون والفصل في هذه القضية، سألته السؤال ببساطة شديدة أين تقع المغرب؟ وأعطيته إختيارين آسيا وأفريقيا، كان خطأي الوحيد هو أنني أخبرته أن زميلتنا تقول أنها في أسيا، مخبرا إياه هذه المعلومة بكل الاستنكار والدهشة، ومرت الثواني القليلة كأنها سنين وأنا أنتظر الإجابة، وحك زميلي رأسه بطريقة العالم ببواطن الأمور وعدل من وضع نظارته، وتنحنح كأنه سيلقي خطابا مهما، وقال بصوت الواثق :أعتقد أنها في آسيا !! رغم أن هذه القصه مرت منذ سنوات إلا أن شعوري في هذه القصة لم ينسى إلى هذا الوقت، بالطبع قمت كالملدوغ من على الطاولة، ووليت الادبار الأغرب هو أنني عندما حولت هذه القصة إلى مقال ينشر في مجلة الجامعة، وأنا جالس بجوار الزميلة التي تتولى كتابة المقال على الحاسب الآلي وبعد أن انهت الكتابة نظرت إلي بدهشة شديدة وهي تكمل تناول رقاقات البطاطس وقالت لي "إيه دا؟ هي المغرب طلعت في آسيا ؟!!!" القصة ربما يراها البعض مبالغة، أو ضربا من الجنون أو هذيان نائم، ولكنها حدثت كما رويتها، وإلى اليوم لم أستطع نسيانها، وتثير داخلي عدة تساؤلات بصفة مستمرة عن الثقافة العامة ومانعرفه عن الدنيا، ورغم العصر المعلوماتي الرهيب الذي نعيش فيه وسهولة الحصول على المعلومة من مختلف المصادر وبسرعة، إلا أنا نغفل باستمرار الركيزة الأساسية للحصول على المعلومة، و من وجهة نظري أمتع وأفضل السبل هي قراءة الكتب وروعة الاستمتاع بالقراءة، وأعتقد أن إغفالنا للقراءة اليومية أو الأسبوعية أو حتى الشهرية يضعنا ويضع الجيل الناشيء من الأطفال على شفا حفرة الأمية الثقافية، ويجعلنا في مؤخرة ركب الامم التي ترتقي بثقافة القراءة يوما بعد يوم بجوار رقيها بمختلف نواحي التكنولوجيا. أدعوكم بصدق إلى العودة القوية والشرهة للقراءة من الكتب، وأدعوكم لغرس هذه العادة في نفوس المقربين منكم، ويجب أن أثني على الحملة الدعائية للقراءة للجميع التي اتخذت في دعوتها جانبا إحترافيا كان من المفترض أن تتخذه من سنوات طويلة، ويبقى أن اذكركم بالمقولة الشهيرة والصادقة "وخير جليس في الزمان كتاب" دمتم بود..