في حضرة سيدنا الميدان بين مكتب أحد أصدقائي وشقتي التي أقطن بها، مسافة لا تتجاوز الكيلو متر الواحد، والمواصلات بين مكتبه وشقتي متاحة دوما .. التوك توك في منطقتنا (العمرانية–الهرم) شغال 24 ساعة. المجد للتوك توك .. وللراحة. لما باسهر معاه، غالبا ما تمتد سهرتنا حتى الساعات الأولى من الصباح، وحرصا منه على راحتي، يسألني: معاك فكة عشان التوك توك.. يعني اتنين تلاتة جنيه .. أربعة بالكتير .. أقوله: آه معايا، ولكنه يصر أن يدس في جيبي بعض العملات المعدنية من فئة الجنيه المعدن والتي يحتفظ بها في آنية فخارية صغيرة على مكتبه. أستخرجها (العملات المعدنية) من جيبي وأضعها على راحة كفي، وأخرج للشارع. ...... أين التوك توك الآن، أمتلك قطعا معدنية أراها تتلألأ على راحة كفي .. سأدفعها لسواق التوك توك دون جدال ومجادلة. أحيانا يأتي التوك توك سريعا ويلتقطني. وكثيرا ما يتأخر، فيدفعني إلى ممارسة هوايتي المفضلة: التمشية الهادئة. .... التمشية الهادئة، متعتي الأعلى بين كل المتع التي مارستها طيلة حياتي، قبل الثورة وبعدها، ولم يفصلني عنها (بعد الثورة) غير ليلة الجمعة؛ لأني لو كنت سهران في وسط البلد، صعب أتمشى بهدوء وراحة، لأن استعدادات المليونية بتكون بدأت تظهر بشايرها، في ميدان التحرير (مدد يا سيدنا الميدان مدد) والشوارع المحيطة به. ..... (الثوار دول كرهونا في يوم الجمعة): مقولة من مقولات سواقين تاكسي كتير. .... ولو قسوت على نفسي في مثل تلك لليلة وقررت ترك ميدان التحرير، فغالبا كنت باروح أسهر مع صديقي في مكتبه القريب من منزلي. ولكنني وبعد سهرتي معه لم أكن أيضا أستمتع بالتمشية الهادئة. .... ليلة الجمعة ..... تلك الليلة التي قال عنها بعض خفيفو الظل؛ أن الرب لن يستطيع أن يأمر بقيامته فيها، لأن القيامة تستدعي أن تنطبق السماء على الأرض، وفي تلك الليلة لن يستطيع الرب أن يفعل ذلك. لماذا؟ لأن النساء سيكون لها رأي آخر وموقف مناهض لانطباق السماء على الأرض .. حتى ولو اضطروا رفعها بأقدامهم. .... ولثورتنا في ليلة الجمعة قصة أخيرة. ..... وللفساد في تلك الليلة قصص كثيرة وليست أخيرة. لأنها الليلة التي تليها يومين أجازة في المؤسسات الحكومية. إدارة الحي ووزارة الإسكان وكل ما له علاقة بالبناء والمباني. .... في كل مرة (ليلة جمعة)، أستطعت فيها اتخاذ القرار بترك ميدان التحرير (مدد يا سيدنا الميدان مدد) والذهاب لصديقي بمكتبه بالعمرانية، كنت أحلم بعد سهرتي معه بتمشية هادئة حتى بيتي. ولكنها (التمشية الهادئة) لم تروق لي أبدا طيلة تلك الفترة. لم تكن تعوقني عنها أقدام النساء المرفوعة المناهضة لقيام القيامة ليلتها. ولم تعوقني عنها رايات الثوار وأعلامهم وأجسادهم الطاهرة. ولكن ما كان يعوقني عنها. أسمنت رمل أسياخ حديد والكثير من التشوينات الملقاة بالشوارع من أجل بناء عمارات مخالفة .. في زحمة الثورة. ... عمارات أنشئت بالفساد، واغتنى منها الكثيرون. وآخرون اغتنوا من وراء حتى المتاجرة بمبادئ الثورة وشهدائها. وتبقى في النهاية أزمتى في كل ليلة جمعة منذ بدأت ثورتنا. كيف أجتاز الطريق إلى راحتي مرورا بكل تلك المعان؛ الفساد الثورة الجنس ... مدد يا سيدنا الميدان مدد