الإعلانات في كل مكان، في التليفزيون، في الشارع، في الجورنال والمجلة، في برامج التليفون المحمول، في مواقع الإنترنت.. لا بتهنينا علي فيلم ولا مسرحية، ولا مباراة كرة قدم، ولا حتي علي أي لعبة علي أي جهاز إليكتروني. رأسالمال يدخل في كل شئ، يدخل بمنتجاته إلي عقولنا رغما عنا، ويوهمنا بما ليس فيها، مستغلا احتياجاتنا وأمنياتنا، إدفع 10٪ وقسط علي سبع سنين، والحقيقه انك هتستلم بعد 10 سنين، بس ده ما بيتقالش في الإعلان. هاتف محمول بإمكانيات متطوره تحاكي الماركات العالمية سعره لا يتجاوز 300 جنيه، والحقيقه انه جهاز ردئ، تم تجميعه (تحت بير السلم) لا يساوي 3 تعريفه. إشتري سياره أحدث موديل بدون مقدم، بدون فوائد، فقط بصورة البطاقة، والحقيقة أن هذا لا يكون إلا في حالة واحده، هي أن يسدد لك البنك ثمن السياره بالكامل، و تقدم أنت للبنك الفوائد، وفوائد الفوائد، و تقدم له ضمانات تصل إلي رواتب إثنين من الموظفين الحكوميين. الإعلان الصادق الوحيد اتبرع ولو بجنيه، لأنه سيأخذ منك ولن يعطيك. عقارات وفيلات وشاليهات وأحيانا قصور في المدن الجديدة والمنتجعات السياحية (الفخمة) لأصحاب رؤوس الأموال أنفسهم، لسنا في حاجة لرؤية صورها أو السماع عن أسعارها علي الشاشات، لأننا حتي لن نسير علي الطرق المؤدية إليها مهما طال بنا العمر، أجدي بهم أن يبحثوا عن وسيلة أخري للتسويق أقل كلفة من الإعلانات التي تذاع علي العوام أمثالنا، وأجدي نفعا إذا وصل الإعلان للزبائن المستهدفة مباشرة. فلا المدن الجديدة لنا، ولا الهدوء و راحة البال و ال (فيو) الرائع والمدارس الأجنبية والملاعب الرياضية هي أصلا مصطلحات موجودة في قاموس حياتنا. المنتجات المستورده كثيرة، ومتعددة، وأسعارها معقولة، ومغلفة أو معلبة بحرفيه، ومحفوظة بطريقة علمية، تحافظ علي سلامة الصناعة وجودة الطعم، والله أعلم بآثارها الصحية علي المدي البعيد أو القريب، أما المنتجات المحلية فمن حيث الكم نسبتها تكاد لا تذكر، وأسعارها باهظة، وعن الحفظ والتغليف والتعليب حدث ولا حرج، مهما كانت جودتها أو طزاجتها أو سلامتها الصحية؛ ومنتجوها (الغلابة) يتعجبون لماذا لا تصمد أمام منافساتها الأجنبية؟! بعد أن أصبح العالم سوقا كبيرة لمنتجات الرأسمالية العالمية؛ لم يعد في وسع الشعوب حتي أن تستنجد بدوافع الوطنية وأفكار المقاطعة، ولا أن تلوذ ببيئتها المحلية ومنتجاتها الأصلية الأصيلة، بات "غاندي" أسطورة تاريخية لا تجد مكانا أكبر من بضعة سطور في كتب التاريخ، وتاهت "معزته" في معلبات الألبان واللحوم المجمدة المتكدسة فوق أرفف ال (سوبر ماركت) وال (ميني ماركت) وال (هايبر ماركت). ولا أمل لنا أن نصمد أمام الحصار الاقتصادي لو قررنا ذات مره أن "نسترجل" و نبني، كما بني جمال عبدالناصر السد العالي، وصمد أمام الحصار الاقتصادي بالعيش "البتاو" و "المش" البلدي، لانه لا بديل في حياتنا المعاصرة عن بسكويت الويفر بالشوكولاتة والكريمة ماركة "أمريكانا" أو "إسرائيليكانا"، حتي الفول -الفول يا ناس- أصبحنا "قرفانين" من فول عم عبده "الطازة" أبو "زيت حار" وندفع في ربع كميته أربع أضعاف سعره، من أجل علبة مغلقة مكتوب عليها بلغة أجنبية ومرسوم عليها علم دولة عظمي. القارئ الكريم .. ليس هذا تشاؤم متقع، وإنما جرس إنذار، يوجه نظر الحكومة -لو عندها نظر- إلي أهمية و ضرورة -بل وحتمية- الإنتاج الوطني.