تبدو دعوة الجبهة السلفية المنضوية ضمن "تحالف دعم الشرعية" الإخواني مشبوهة الأهداف بشعارها المرفوع "انتفاضة الشباب المسلم" أو "ثورة رفع المصاحف"، ومحاولة جديدة لإعادة الزخم لحراك الإخوان المتراجع، ومغازلة الجماهير بحديث الهوية واللعب على وتر الحماسة الدينية، ظنا أن حديث "الشريعة" أكثر فعالية من دعوى"الشرعية" التي لم تصمد في الشارع على مدى شهور طويلة، ولم يكن لها صدى خارج التيار الديني الذي فقد عرشه ويحلم باستعادته مجددا، خاصة مع خسارة كثير من الدعم الاقليمي والدولي في مواجهة الجنرال الحاكم. نعم من حق الجميع أن يتظاهر طالما التزم السلمية، فحق الاحتجاج السلمي مكفول لأى أحد بحكم نصوص الدساتير المتعاقبة والمواثيق الدولية، لكن على أى شئ نتظاهر ومن أجل ماذا نخرج للشوارع.. هل لمقاومة الفساد والاستبداد والتبعية، ومن أجل وطن حر يسوده العدل أم لقضايا تفرق ولا تجمع، وتزيد من حدة الاحتقان والاستقطاب وتضعف أكثر الجبهة الداخلية للبلاد؟ وتستغل الشعار الديني لمصالح سياسية تصب في صالح فصيل يقاتل لاستعادة حكمه الساقط، أو الدخول في صفقة تضمن له مكاسب وحماية من الملاحقة والإجهاز على ما تبقى منه وتعيده للحياة مجددا؟ ويبقي السؤال الأهم.. هل مصر تعاني أزمة هوية دينية أم صراع دموي على السلطة بين جنرالات وعصابة مبارك وبين عصابة الاخوان واشياعهم، يلعب كل منهما كالحواة بكل الأوراق المشروعة وغير المشروعة، ويريد استقطاب أكبر قطاع من الجماهير لمعسكره، رغم أن الاثنين وجهان لعملة واحدة رديئة؟ هل مصر تعاني أزمة هوية دينية أم صراع بين التخلف بثالوثه المعروف"الفقر والجهل والمرض" والتحضر الذي يعني الانتقال من ثقافة العصور الوسطى لحقبة ما بعد الحداثة مثل باقي شعوب الأرض؟ هل مصر تعاني أزمة هوية دينية أم أزمة مواطنة بوجود تمييز تمارسه كل مكونات المجتمع إلا قليلا، على أساس ديني وطائفي وجهوي وجنسي وقبلي ومهني وطبقي، رغم أكذوبة التجانس والتسامح والمحبة والنسيج الواحد؟ هل مصر تعاني أزمة هوية دينية أم أزمة ديمقراطية مفقودة وغياب دولة مؤسسات في خدمة المواطن وحماية مصالح الوطن العليا، وليست موظفة للنهب والاستغلال لصالح طبقة النصف في المائة، مثلما كان عليه الحال قبل ثورة يوليو المجيدة، وكما هدفت انتفاضة يناير أو الثورة المنقوصة أو المؤودة على يد الجنرالات والإخوان بتخطيط أمريكي ودعم خليجي وصهيوني؟ هل مصر تعاني أزمة هوية دينية أم أن مشكلتنا الرئيسة هي زيادة مساحة الدين في المجتمع وخروجه من نطاق العلاقة الخاصة بين الانسان وربه في اطار حرية المعتقد للجميع ايا ما كان، إلى توغله في كل مناحي الحياة واتخاذه مرجعية دون الدستور والقانون، وتوظيف كل الأطراف للخطاب الديني لخدمة مصالحها الانتهازية، ليس فقط التيار الديني ولكن أيضا السلطة، بل والشيوعيين والناصريين والليبراليين، حاليا وسابقا؟ هل مصر تعاني أزمة هوية دينية أم افتقاد لمشروع وطني يلتف حوله الجميع وحكم وطني يفك الارتباط مع الامريكان والصهاينة وقوى الرجعية العربية، والرأسمالية المتوحشة المستغلة بذات فلسفة تجربة حكم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر؟ يا سادة، المعركة الحقيقية لمصر والتى يجب ان يناضل الجميع من أجلها هو بناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة تنهي حقبة الفساد والاستبداد والتبعية وتؤسس لمجتمع تسوده الحرية والعدل الاجتماعي والاستقلال الوطني.. مجتمع يعلي من قيمة العلم والعمل وتكافؤ الفرص والانضواء تحت لواء الانتماء الوطني، وليس الانتماءات الجزئية والأولية الطائفية أو الجهوية أو القبلية. فمصر لن تتقدم خطوة للأمام برفع الشعارات الدينية أو الوطنية الجوفاء التى تدغدغ المشاعر دون صدقية أو إعلاء لمصالح الوطن والمواطن، وإنما كأداة لتخدير الجماهير أو السيطرة عليهم لمكاسب فئة فاسدة هنا أو هنالك، ولكن تتطور مصر عبر توجه يقضي على مواطن الداء المتأصل في بنية الحكم والمجتمع من خلال سياسات وتوجهات تعتمد الديمقراطية والعلمانية والاشتراكية، حيث الخلاص الحقيقي للمصريين، وقطع الصلة مع الماضي بميراثه المدمر لحاضر مصر ومستقبلها، والذي يقودها من هوان إلى هوان، ومن تراجع لتراجع. ------------- * كاتب صحفي Email:[email protected] ##