في كافة دول العالم يوجد معارضون للنظام الحاكم حتى في أشد الأنظمة ديكتاتورية يوجد معارضون (قد تكون كوريا الشمالية استثناء)، الاختلاف فقط هل يطارد النظام الحاكم هذه المعارضة، أم أنه يعطيها مساحة من الحرية لتمارس عملها السياسي، ومن دولة لأخرى تختلف تلك المساحة، ومن دولة لأخرى تختلف أساليب المطاردة، ومن دولة لأخرى أيضاً تختلف نوع المعارضة وتوجهاتها، ومن دولة لأخرى يختلف أسلوب المعارضة. المعارض سواء كان فرداً أو حزباً أو تجمعاً قد يرفض النظام الحاكم جزئياً أو كلياَ، فعلياً أو كده وكده، سلمياً أو بالسلاح، جزئياً سلمياً مثل ما يفعله حزب النور على البنور، كلياً بالسلاح مثل ما يفعله أتباع شرعية الزيت والسكر والمكسرات والبندق واللوز. غالبية دول العالم تسعى فيها المعارضة دوماً للوصول للحكم، وهو حق مشروع بالمناسبة، ولا عيب ولا ضرر في ذلك، الاستثناء يحدث في الدول الملكية فوق الدستورية مثل السعودية والإمارات وقطر وعمان (هذا إن وجدت معارضة يعني)، فإن هدف المعارضة هو تسليط الضوء على الأخطاء دون العيب في الذات الملكية طال عمرك، لكن بأي حال فإن المعارضة في هذه الدول لا تأخذ أشكال حزبية، لأنها ممنوعة أساساَ، بل دوماً تأخذ هيئة أفراد أو مؤسسات مجتمع مدني. طيب المفترض المعارض يعمل إيه؟؟؟ سواء كان هدفه الوصول للحكم، أو تسليط الضوء، سواء كان معارضاً للنظام جزئياً أو كلياً، سواء كان فرداً أو حزباً، فإن المعارض يجب أن يكون نبيلاً، يعني نبيل فاروق عندما فكر في كتابة رجل المستحيل، يعني نبيل الحلفاوي عندما قام بإعادة تجهيز الألغام البحرية الثلاثة، يعني نبيل شعيل عندما غنى ما أروعك، لا أتحدث هنا عن المعارضة المسلحة لأنها حق وقت الاحتلال فقط، غير كده يبقى عدم اللامؤاخذة عالم شمال، ومثال على ذلك ما حدث في لبنان عندما أخذت المعارضة الطابع المسلح مرتدية عباءة الدين وانتهت بحرب أهلية. من منطلق نبله، المعارض من حقه (أو من واجبه) الاعتراض على كل ما يراه خطأ، كبر أو صغر، ومن حقه استخدام وسيلة الاعتراض التي يراها مناسبة، يهاجم بلين أو بشراسة، يتحدث بجدية أو بسخرية، يعتصم أو يضرب عن العمل، يتظاهر أو يضرب عن الطعام، من منطلق نبله سيلجأ لكل ما سبق بهدف تصحيح الخطأ، ولو كان المعارض حزباً أو تجمعاً فعليه واجب تقديم الحل أو البديل، عليه واجب تقديم رؤية وبرنامجاً سياسياً بديلاً. من منطلق نبله، لا يهم إن وصل للسلطة أم لا (لا يتعارض ذلك مع سعيه للوصول للسلطة)، من منطلق نبله لا يهم لو عرفه العامة أم لا (لا يتعارض ذلك مع سعيه للشهرة)، من منطلق نبله يجب أن يكون مثالاً يحتذى به في غالبية الأمور الحياتية، لا يليق بالمعارض أن يثور من أجل حقوق العامل نهاراً، ويضبط مع راقصة في ملهى ليلي مساءً (مع أنهما لا يتعارضان)، من منطلق نبله عليه الإشادة بتصحيح الخطأ إن وجدت استجابة، من منطلق نبله عليه الاعتراف بالانجازات لو حدثت على أرض الواقع، من منطلق نبله عليه أن يكون واعياً لا يسير مع التيار لمجرد الحصول على لقب معارض، من منطلق نبله يجب أن يقرن أقواله وأفكاره الاصلاحية لأفعال وتجارب على أرض الواقع. هذا هو المعارض... على عيوننا ورؤوسنا جميعاً، وجوده مهم لنجاح الدولة، وجوده مهم كأهمية وجود نظام حاكم، أما المعادي (بضم الميم) فينطبق عليه المثل القائل "عريان البهاريز يحب التأميز ويقولك باب الخمارة فين". المعادي هو المعارض الذي انحرف به القطار وخرج عن القضبان وضاع في وسط صحراء فكر الواحات الخارجة، المعادي هو المعارض الذي تطور أسلوبه من النقد إلى الكذب، ومن الاعتراض إلى التلفيق، ومن التوضيح إلى التشنيع، ومن الانتماء إلى التخريب، ومن الإصلاح إلى الهدم، ومن الحزن إلى الشماتة، ومن الرفض إلى الزياطة، ومن الصدق إلى النخورة ليجد نفسه في نهاية المشوار قد انتقل دون أن يدري من خانة الوطنية إلى خانة العمالة وكان الله بالسر عليم. المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية