تحرير 279 مخالفة للمحال التجارية لعدم ترشيد استهلاك الكهرباء    نتنياهو: واشنطن تعمل على إلغاء القيود على نقل الأسلحة لنا    نتنياهو: منع أمريكا السلاح عنا غير معقول وبن غفير يتعهد بإعادة احتلال غزة    يورو 2024| كفاراتسخيليا يقود هجوم جورجيا أمام تركيا في بطولة الأمم الأوروبية    غرق طالبين في البحر بكفر الشيخ    مصرع سيدة وإصابة آخرين.. سقوط سيارة ملاكي من أعلى كوبري جيهان بالمنوفية (صور)    نجوم الفن في العرض الخاص ل«ولاد رزق» بالسعودية    تامر عبدالمنعم يقدم روائع الثمانينات والتسعينات في نوستالجيا 90/80 على مسرح السامر    خروجة عيد الأضحى.. المتحف المصري بالقاهرة يواصل استقبال زواره    وكيل «صحة الشرقية» يفاجئ العاملين بمستشفى أبوكبير المركزي    "تخاذل من التحكيم".. نبيل الحلفاوي يعلق على أزمة ركلة جزاء الزمالك أمام المصري    محافظ المنوفية يحيل رئيس مدينة قويسنا ونائبه للتحقيق    وزير سعودي: ما تحقق في موسم الحج أمر يدعو للفخر    «البيئة» توضح تفاصيل العثور على حوت نافق بالساحل الشمالي    جدول مباريات ريال مدريد بالكامل فى الدورى الإسبانى 2024-2025    مصرع 13 شخصا بسبب الفيضانات فى السلفادور وجواتيمالا    شرطة الاحتلال تفض مظاهرة معارضة للحكومة بعد إغلاق أحد شوارع القدس الغربية    سامح حسين عن "عامل قلق": "أعلى إيرادات في تاريخ مسرح الدولة" (صور)    نتنياهو يعلن من غير المعقول أن تمنع الولايات المتحدة السلاح والذخيرة عن إسرائيل    "أصعب لحظة في حياتي".. إسماعيل فرغلي يكشف تفاصيل إصابته بالسرطان    بائع غزل البنات: «كرم ربنا مغرقني وعوضني عن 31 سنة شقى    وزير الأوقاف: نضع خدمة القرآن والسنة نصب أعيننا    «الصحة» تقدم نصائح لتجنب زيادة الوزن في عطلة عيد الأضحى    هل يؤاخذ الإنسان على الأفكار والهواجس السلبية التي تخطر بباله؟    "التنمية الصناعية" تستعد لطرح جديد للأراضي عبر الخريطة الاستثمارية.. اعرف التفاصيل    كيف تتجنب سحب البطاقة الائتمانية في ماكينة الصراف الآلي؟    مجدي يعقوب يشيد بمشروع التأمين الصحي الشامل ويوجه رسالة للرئيس السيسي    تفاصيل جديدة في واقعة وفاة الطيار المصري حسن عدس خلال رحلة للسعودية    بعد انتشار ظاهرة قطع الأشجار.. تحرك برلماني عاجل لوقف وحظر تصدير الفحم    شد الحبل وكراسى موسيقية وبالونات.. مراكز شباب الأقصر تبهج الأطفال فى العيد.. صور    تنسيق الأزهر 2025.. ما هي الكليات التي يتطلب الالتحاق بها عقد اختبارات قدرات؟    إصابة 5 أشخاص نتيجة انقلاب توك توك فى ترعة الشيخ سليم فى الإسماعيلية    الجثمان مفقود.. غرق شاب في مياه البحر بالكيلو 21 بالإسكندرية    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج الهندسة الزراعية والنظم الحيوية جامعة الإسكندرية فرع الشاطبي    إيبارشيات وأديرة سوهاج تهنئ قيادات المحافظة بعيد الأضحى المبارك    خبير تحكيمي: طاقم تحكيم مباراة الزمالك والمصري تهاون في حقه وكان يجب إعادة ركلة الجزاء    ميدو بعد أحداث الزمالك والمصري: الحكام بينفذوا أجندة.. والإرهاب هو اللي بيمشي    خبير سياحي: الدولة وفرت الخدمات بالمحميات الطبيعية استعدادا لاستقبال الزوار    الصحة: فحص 14 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى.. «اللهم إياك أرجو ولك أدعو»    وزير الإسكان: جارٍ تنفيذ 23 مشروعاً لمياه الشرب وصرف صحى الحضر والمناطق الريفية بالوادى الجديد    احذر الحبس 10 سنوات.. عقوبة تزوير المستندات للحصول على بطاقة الخدمات المتكاملة لذوي الإعاقة    دار الإفتاء: ترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    طريقة تحضير كبسة اللحم بالأرز البسمتي    دعاء ثالث أيام عيد الأضحى.. اللهم إني أسألك إيمانا دائما وعلما نافعا    الحرس القديم سلاح البرتغال في يورو 2024    "سويلم" يوجه باتخاذ الإجراءات اللازمة للاطمئنان على حالة الري خلال عيد الأضحى    المالية: عودة الاقتصاد المصرى لمسار أكثر استقرارًا فى مواجهة التقلبات العالمية    انقطاع الكهرباء عن قرى جنوبية في لبنان جراء قصف إسرائيلي    جانتس: ملتزمون بإبعاد تهديد حزب الله عن سكان الشمال    هل يجوز للزوجة المشاركة في ثمن الأضحية؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    عبد الله غلوش: «إفيهات» الزعيم عادل إمام لا تفقد جاذبيتها رغم مرور الزمن    مدرب بلجيكا: لم نقصر ضد سلوفاكيا ولو سجلنا لاختلف الحديث تماما    تعرف على حكام مباراة الاتحاد والأهلي    العثور على جثة شخص بجوار حوض صرف صحى فى قنا    مصرع شخص وإصابة 5 فى حادث تصادم بالدقهلية    البطريرك يزور كاتدرائية السيّدة العذراء في مدينة ستراسبورغ – فرنسا    «حضر اغتيال السادات».. إسماعيل فرغلي يكشف تفاصيل جديدة عن حياته الخاصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات حرب غزة.."اشتقت لنفسى ولأنوثتى الضائعة !!" (5)

يوميات حرب غزة ( الجزء الخامس والأخير)
اشتقت لنفسى ولأنوثتى الضائعة !!
قصص إنسانية من لحظات تدمير برج الظافر: لحظة العرس ينهار حلم الزوجية
حكاية مطار غزة .. وكيف هدمنا ما بناه أبو عمار
------
أنوثة ضائعة فى مراكز إيواء النازحين (4) ( بقلم : نسرين موسى)
ما بالها تقف بعيدة ومعالم وجهها حزينة، الكل يتناول طعام الغذاء الذى وزعه عليهم مشرف المدرسة التى نزحوا إليها إلا هى، رغم انها وجبة الأسبوع اللذيذة.
انفجرت بالبكاء وبصوت عال قالت: "أشعر بفقدانى كل شيء، وليس بيتي. مطبخى الذى كنت أقف به فى هذه الساعة لإعداد الطعام لزوجى وأولادى وأنا سيدته والمتذوقة لكل شيء قبل وضعه على سفرتنا، رداء مطبخى الذى تركته خلف الباب وأنا مسرعة من القذائف التى سقطت على منزلنا كى لا تصيبني.
اشتقت للمتنا وحدنا حول سفرتنا، لأولادى يأكلون بتمهل وأنا أراقبهم، ليس كالآن ينتشلون أكلهم وهم يقفون مع مئات الأولاد فى صف مدرسى واحد.اشتقت لدلال زوجى لى بعد تناول طعامه وشربه للكولا من يدى اشتقت لتنظيف أدوات مطبخى بعد الغذاء
لحمامى الساخن واسترخائى تحت المروحة بثياب من اختياري، وليس كالتى تلفنى الآن كميتة من قدمى لرأسى خوفا من نظرات المكدسين حولي.
اشتقت لنفسى، لمرآتى ،لمكياجي، لزينتى، لتفاصيلى، لأنوثتى
اشتقت لزوجى يوقظنى بمجرد دخوله المنزل بعد سهرته الطويلة مع أصدقائه ليبدأ سهرته معى، غيبتنى الحرب وغيبت كل شيء أعشقه
وزعت نظراتى بينها وبين النساء اللواتى تركن طعام الغذاء وانتبهن لحديثها وكأنها حركت كوامنهن جميعا، ولسان حالهن يقول: اشتقنا لأنفسنا التى تاهت بين جنبات هذه المدارس.
هل من عودة سريعة؟ لقد متنا ومات كل شيء فى داخلنا
الاستحمام زمن النزوح .. مرة ثانية (5)
غزة، القرارة
24/08/2014
خالد عامل بطالة فى مستشفى ناصر، فرح كثيرا عندما حصل على هذه الوظيفة لمدة شهر، وفرح اكثر عندما تم تمديد فترة عمل البطالة شهرا آخر، بالرغم من أنه لم يصرف له أى مرتب أو سلفة حتى اللحظة!
مستشفى ناصر بخانيونس كان مكانا لإيواء المئات من النازحين وأسرهم، بالإضافة لآلاف الشباب الذين لم يستطيعوا أن يجدوا مأوى لهم فى مدارس الأونروا،
أهالى شرق خانيونس من النازحين وجدوا فى مستشفى ناصر بخانيونس ومسجده الصغير متنفسا لهم، للوضوء والصلاة والراحة وشحن الجوال والنوم، وأيضا الاستحمام، شكرا مستشفى ناصر
كانوا مستقرين فى بيوتهم الواسعة ينعمون بمستوى حياة مرتفع مقارنة بسكان مخيم اللاجئين حيث يكتظ اللاجئون فى بيوت ضيقة وخدمات متواضعة، أين الحمام؟ أريد أن أستحم؟ سأل أحد الشباب النازحين خالد؟
الحمام هناك على يدك اليمنى، أشار خالد له بيده.
دخل محمد من عبسان الكبيرة مسرعا إلى الحمام فرحا، حان الوقت حتى أتخلص أخيرا مما علق بجسمى من تراب وعرق
خرج الشاب فورا من الحمام وأعاد السؤال على خالد، أين الحمام؟!
- الحمام حيثما كنت وخرجت منه!!! رد خالد،
هل هذا هو الحمام؟
- نعم هذا هو الحمام.
أرجوك تعال و دلنى على الحمام،
حاول خالد أن يصبر نفسه ويجد عذرا لهذا الشاب لعله ضعيف النظر ولم ير الحمام، دخل خالد الحمام ممسكا الشاب من يده، هذا هو الحمام!
أمسك خالد الشطاف الذى يستخدم فى المرحاض بعد قضاء الحاجة، وقال للشاب هكذا يستحم الناس، يدخلون ويستحمون بهذا الشطاف،
صرخ الشاب ألما وتعجبا وحسرة......أنا أستحم فى المرحاض؟!
أنا أستخدم الشطاف ؟أنا أستحم بالماء البارد؟!
وضع الشاب يديه على وجه والتف مترنحا حول نفسه، وأخذ يتمتم بصوت مسموع: يا الله، حمامنا فى البيت 15 مترا مربعا، فيه ماء ساخن وبارد، فيه بانيو لتعبئته بالماء الدافئ والصابون، عندما أستحم، أملأ البانيو بالماء الدافئ، وأخلطه بالصابون السائل المعطر، استخدم نوعين من الشامبو، واحد لتنظيف الشعر والآخر لتغذيته والمحافظة على ملمسه الناعم، ماذا أفعل الآن؟ هل أستحم بالمرحاض؟ سأل الشاب مجددا،
- أنت حر! تستطيع أن تنتظر حتى تنتهى الحرب وتستحم فى بيتك إن وجدته! أو أن تتحمل لزوجة وتدبيق جسمك، أجابه خالد
أصبح الشاب فى حيرة من أمره يضرب أخماسا فى أسداس، كيف سأخلع ملابسى وأين أضعها ؟
ما هذا الصابون ذو رائحة الفونيك النفاذة؟ كيف سأضعه على جسمي؟
كيف سأغسل رأسى بدون شامبو؟
من ينظف لى ظهرى ويفركه جيدا ؟!
تذكر الشاب أيامه الحلوة والقريبة جدا عندما كان يدخل الحمام وتلحق به عروسه حاملة الملابس المكوية على يد وفى اليد الأخرى تحمل المناشف الكبيرة ذات الألوان الزاهية
تراجع الشاب إلى الخلف خطوتين ثم دخل مسرعا إلى المرحاض/الحمام،
قفل باب المرحاض على نفسه،
اخذ يرش الماء البارد على جسمه وهو " يتوحوح " ويصدر تنهيدة طويلة،
هذا هو النزوح!
هذه هى الحرب!
أوقفوا الحرب!
---------------
..
كيف هدمنا ما بنى أبو عمار؟؟ .. حكاية مطار غزة (بقلم توفيق شومر) (6)
---------------
استخرج لى وزير العدل السابق الأستاذ/ فريح أبو مدين الصورة المرفقة، وحكى لى قصتها
تقول القصة:
زار أبو عمار وزارة العدل فجأة وطلب منى خريطة أراضى غزة الكبيرة ومسطرة، وشرع فى وضع خط طويل على خارطة رفح وقال: هذا هو المطار،!!
وأضاف الأستاذ/ فريح:
سألنى أبو عمار :
كم يبلغ طول رن وى الطائرات؟
فقلت له 2800 متر .
فقال أريده 3200 متر حتى تتمكن طائرات البوينج من الإقلاع والهبوط،
فقلت له:
إن الأراضى الحكومية لا تكفى، فقال اشترِ ما يلزم لذلك.
وأضاف:
اعتاد أبو عمار أن يتابع بناء المطار يوميا، فقد كان بناء المطار هاجسه وشغله الشاغل، وكان يزور العاملين فيه يوميا، أما فى الصباح الباكر قبل دخوله للمكتب، وإما فى فترة المساء، وكان يناقش ويحاسب المشرفين بنفسه، يشرف على متابعة الكميات، ويستخدم خبراته الهندسية!
ومن المعلوم أن الرئيس كلينتون قد حضر حفل افتتاح المطار يوم 24/11/1998
------------
برج الظافر وأحاديث المساء!!!(7)
غزة،
24/08/2014
..
فى غزة، تحلو أحاديث المساء، يحلو السمر فى أول الليل ومنتصفه.
هواء بحر غزة العليل ينشط ذاكرة المتسامرين ويفتح قرائحهم ويساعدهم على استعادة الذكريات الجميلة ورسم الآمال المشرقة.
ساكنى الطوابق العلوية والمتوسطة فى أبراج غزة يحرصون على السكن فى الجهة الشمالية والغربية ليتمتعوا بعليل هواء المساء القادم إليهم محملا بمياه البحر الرطبة.
فى زمن الحرب، يجتمع أهالى غزة من أجل السمر وتجاذب أطراف الحديث مبكرا قبل دخول الليل خوفا من طائرات الزنانة العمياء.
برج الظافر فى غزة واحد من الأبراج التى شقت طريقها إلى الأعلى بقدوم السلطة الوطنية، شهدت غزة توسع عمرانى ملحوظ.
ازدانت شواطئها واطرافها ووسطها بالعديد من الأبراج السكنية.
يقطن هذه الأبراج بالصفة العامة أبناء الطبقة المتوسطة من أطباء ومهندسين ومدرسين وصحفيين وغيرهم ممن أنعم الله عليهم بنعمة الدخل الثابت من مهنة أو تجارة أو مرتب من السلطة، محسودين عليه من العاطلين عن العمل أو الموظفين اللذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ شهور عديدة!
برج ظافر رقم 4 يقع فى جنوب مدينة غزة، أقيم فى العام 1996، يتكون من 14 طابقا يحتوى على 44 شقة سكنية دمرت بالكامل ما أدى إلى إصابة 17 مواطنا معظمهم من الأطفال وتشريد جميع ساكنيه بالإضافة إلى سكان الأبراج والعمارات المجاورة.
أبو وائل، واحد من أوائل الساكنين فيه، فى السبعين من عمره، يتميز بشنبه الكث الطويل وأحاديثه فى السياسة والتاريخ، فهو من المخضرمين فى السياسة.
فى ذلك المساء كان فى ضيافة أبو وائل العديد من أصدقاءه من مختلف الأعمار والمشارب الفكرية والسياسية، يجتمعون اليه على فنجان قهوة عربية قبيل صلاة المغرب ليستمعوا منه أخر الأخبار السياسية التى استطاع أن يقتنصها من مصادرها الأساسية، ولا مانع لديهم من الاستماع إلى بعض تحليلاته واجتهاداته، شنب أبو وائل تعرض لاعتداء فج فى زمن الانقسام الذى لم ينته تماما.
الصحفى زكريا من سكان مخيم خانيونس، بعد أن اقترب عمره الخمسين، استطاع أن يشترى له شقة فى هذا البرج ليحقق أمنيته أن يكون بالقرب من عمله فى غزة، لم يفرح بعد هذا الصحفى بالانتقال إلى شقته فى هذا البرج، ضاعت تحويشة العمر، دون أن يتمتع بالإقامة ولو لليلة واحدة فيه.
دكتور محمد واحد من جراحى غزة العاملين فى مستشفى الشفاء، رجع من عمله هذا اليوم مبكرا من أجل أن يتناول طعام العشاء مع أبنائه الثلاثة وزوجته.
لقد اشتاق للجلوس وسط أبنائه وزوجته على طعام العشاء، منذ أن بدأت هذه الحرب لم يهنأ بتناول أى وجبة طعام بصحبة أسرته منذ 47 يوما.
يسرى شابة فى مقتبل عمرها، عريسها من أبناء أحد التجار الذين أنعم الله عليهم، اشترى هذه الشقة لولده لتكون بيت الزوجية للعروسين، كان هذا اليوم السابع من أيام زواجهما.
من عادة أهل العروس أن يزوروا ابنتهم فى اليوم السابع من العرس ويقيموا لهم حفلة صغيرة، يتم فيها توزيع الملبس والحلويات بعد أن يحتفلوا بالعروسين بقليل من الأغانى والرقص من فتيات العائلة.
فى الحرب، تلغى كل طقوس الفرح، لذلك اجتهدت يسرى بأن تدخل الفرحة على قلب عريسها، ذهبت إلى الكوافير فسرحت شعرها وجددت مكياجها، اشترت قليلا من الشموع وبعضا من الحلويات والمكسرات البلدية، بالإضافة إلى تورتة جميلة،
حجزت عشاء من المشويات والمقبلات على تمام الساعة الثامنة. استعدت لليلة جميلة تدخل فيها الفرح على قلب عريسها وقلبها.
صوت يصرخ من بعيد ..... اهربوا ..... أخلو الشقق....... لقد اتصلت قوات الجيش الإسرائيلى بالعديد من السكان وأبلغتهم بضرورة إخلاء شققهم فى البرج فى مدة أقصاها نصف ساعة.
هرج ومرج وأصوات متداخلة، بكاء أطفال ونحيب نساء، همهمة الرجال وتضرع الشيوخ ودعواتهم غير المفهومة، أسرعى .... لا تنسى أن تأخذى معك بطاقة الهوية، سكان برج الظافر لم يكونوا مستعدين لهذا الحدث الجلل.
لم يتوقعوا من قوات إسرائيل أن تقصف برجهم، فهم بعيدين عن الحرب ولا مظهر من مظاهر المقاومة بالقرب منهم، كانوا يعيشون حياتهم بطريقة طبيعية، لم يحزموا حقائبهم مثل سكان شرق قطاع غزة ولم يجمعوا أوراقهم الرسمية وحاجياتهم المهمة.
أرجوك يا والدتى، أسرعى الخطوة، ارتكزى على درابزين السلم حتى لا تسقطى.
- نسيت شاحن جوالى يا ولدى، ليس هذا وقت الجولات والشواحن يا والدتى.
لم ينس أبو وائل أن يصطحب عكازه المزركش وقت هروبه من البرج.
اغسلى وجهك وامسحى ما علق به من ماكياج يا يسرى، يصرخ الزوج الجديد، لفى نفسك بالعباءة جيدا، غطى شعرك، هيا....، جميع الجيران أخلوا شققهم، أرجوك لا تتأخرى وتؤخرينى معك، كل دقيقة لها ثمن باهض!
التقط الدكتور محمد ابنه الصغير وساعد زوجته فى حمل حاجيات رضيعهم وأسرع ممسكا بيد ابنته إلى خارج الشقة،
صاروخ الزنانة ضرب سطح البرج،
ازداد الهرج والمرج، دبت الفوضى بين النازلين من السلالم ومن الجيران الذين يحاولون أن يساعدوا جيرانهم ومعارفهم وأنفسهم،
الحاجة أم على لا تعرف أين تذهب، هى لا تعرف بالضبط ماذا حدث، كل ما تعرفه انها الآن فى منتهى الخوف، لم تسمع طيلة عمرها ذو الثمانين عاما بمثل هذا الخوف ولم تراه،
ضاعت ترتيبات أبو وائل فى تقديم احاديثه السياسة هباء،
ولم يسعد دكتور محمد بعشاءه الذى تمناه منذ أيام طويلة،
وذهبت تحضيرات العروس يسرى أدراج الرياح واختلطت بالتراب والركام شموعها ومقبلاتها وعشاءها!!!
صاروخ آخر يضرب سطح البرج من جديد بعد أربعة دقائق، وقت قصف البرج بصواريخ ال اف 16 اقترب جدا!!!
حضرت قوات الدفاع المدني، تأكدت أن جميع السكان قد أخلوا شققهم، ابعدت المارة والصحفيين والمتطفلين من الاقتراب من البرج، لقد نجحنا فى اخلاء البرج وتجنيب المواطنين أى خسائر بشرية، علق أحد العاملين فى قوات الدفاع المدني!
سقط الصاروخ الأول من طائرة ال اف 16، اشتعلت النيران وطار الدخان إلى عنان السماء،
ترنح البرج يمينا ومال إلى الشرق،
لحظات ولحقه صاروخ آخر من طائرة ال اف 16، انهار البرج فجأة، سقطت عظامه وحجارته وأعمدته ولحمه وشحمه كومة من تراب فوق بعضها البعض، سقطت فوق المساء وأحاديثه، دفنت كل تجهيزات العشاء والسمر والسياسة، هال التراب فوق أحاديث الحب الموعود.
لم تترك أعمدة الدخان أى معنى لنقاش أبو وائل ومعلوماته السياسية ولا التاريخية، ينظر السكان إلى برجهم وشققهم وشقى عمرهم، بألم وحسرة وغضب وحزن ودموع وبكاء وصرخات واصوات ودعاء وسباب وشتيمة، وكل ما فى قاموس لغة الضاد المهزومة من علامات واستفهامات وكلمات!!
تدمير البرج يأتى ضمن ما تسعى اليه اسرائيل، وهو الحاق اكبر ضرر بالمدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم وثرواتهم حتى يتذمروا وينقموا ويتراجعوا عن صمودهم.
هدفهم بث الرعب والخوف فى نفوس الفلسطينيين وكوى الوعى لديهم حول قدرتهم على الصبر والصمود، إسرائيل تسعى للانتقام من المدنيين فى قطاع غزة من خلال إيقاعهم تحت العقاب الجماعى.
ستنضم هذه العائلات إلى قائمة عشرات الآلاف من النازحين الذين يشكلون حوالى ثلث سكان القطاع (445،740) نزحوا من منازلهم إما بفعل تدميرها او استمرار التهديدات الإسرائيلية، توزعوا على 90 ملجأ تابعا للأمم المتحدة.
144 أسرة فلسطينية قتل كل أو أكثر من 3 أشخاص من أفرادها منذ بدء الهجوم الإسرائيلى على غزة، حيث بلغ مجموع الضحايا من أفراد تلك الأسر أكثر من 750 فردا.
وصل عدد الضحايا الإجمالى إلى 2100 قتيلًا، بينهم 535 طفلًا و298 امرأة.
وعدد الجرحى ارتفع منذ بداية الهجوم إلى 10628 جريحًا، منهم 3214 طفلًا و2065 امرأة، ثلث الأطفال الجرحى الذين تجاوز عددهم 3 آلاف جريحا سيعانون من إعاقة دائمة.
ارتفعت حصيلة البيوت المهدمة منذ بدأ الهجمة إلى15671 منزل، منها 2276 بشكل كلي، و 13395 بشكل جزئي، إضافة إلى عشرات آلاف المنازل المتضررة.
أوقفوا الحرب!!!
أوقفوا العدوان!!!
احموا المدنيين!!!
..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.