توفى اليوم العالم الجليل الدكتور محمد عبدالفتاح القصاص – أبو البيئة – عن عمر ناهز 91 عامًا، حافلة بالعطاء، داخل مستشفى المنيل الجامعى، وشيعت جنازته عصر اليوم، بمقابر الأسرة بالدرّاسة، وتقام ليلة العزاء مساء "السبت" المقبل بمسجد "عمر بن عبدالعزيز" بجوار نادى هليوبوليس.. قال الكاتب الصحفى محمد على القصاص – نجل شقيق العالم الراحل – إنّ آخر ما شاهدته عينا الفقيد كانت كلمات رقيقة نشرتها "المشهد" عنه فى عددها الاخير الصادر صباح "الأحد" الماضى، بعدها دمعت عيناه، ثم راح يداعب المحيطين به، فى نشاط وحيوية وكأنها كانت صحوة الموت، حتى فاضت روحه إلى بارئها فى العاشرة من مساء أمس "الثلاثاء".. وكانت "المشهد" قد نشرت فى عدد "الأحد" 18 مارس الجارى ما نصه: "أبوالبيئة.. من معمل كلية العلوم.. إلى "قسم السكتات الدماغية" بمستشفى المنيل.. عندما تدلف إلى قسم السكتات الدماغية بمستشفى المنيل الجامعى، لن تصدق نفسك وأنت ترى جسدًا منهكًا رهين فراشه، لا يقوَ على الحراك، لن تصدّق أنه كان منذ سنوات قليلة ملء السمع والبصر، رهين معمله بكلية العلوم بالقاهرة، يجرى أبحاثه ويفك الغامض من طلاسم المعادلات ولوغاريتماتها.. ملأ الدنيا ضجيجًا بأبحاثه العلمية، وتحذيراته من غرق الدلتا، وكذا بخطته التى وضعها لمواجهة ذلك الطوفان القادم، عن طريق بناء سدود وحواجز بمضيق جبل طارق.. إنه جسد العالم الجليل محمد عبدالفتاح القصاص، الذى ولد فى "برج البرلس" بكفرالشيخ على بعد أمتار قلائل من "بوغاز البرلس"، الذى شهد معركة بحرية فاصلة سجّلها التاريخ بأحرف من نور، ولد أبو البيئة فى مصر والعالم.. الدكتور محمد عبدالفتاح القصاص، طفلاً غير عادى، كان يترك مزاملة اترابه فى لعب "الحجلة"، و"العسكر"، ليشمر عن ساقيه الرقيقتين، ويخوض لججًا من الطين فى بحيرة البرلس، ليقتطف أوراق "البوص" والنباتات التى تنمو على جانبيها.. ولم يلحظ أحد من المحيطين به أن تعلق الفتى محمد بجمع أوراق النباتات، سيكون له شأن فيما بعد.. ليس فى مستقبله فحسب، بل فى مستقبل البشرية كلها، إذ اختار الفتى أن يدرس بقسم النباتات فى كلية العلوم، التى صار عميدًا لها فيما بعد.. فى عام 2001، قرر القصاص تحويل بيته الذى نشأ فيه فى "برج البرلس"، إلى مكتبة عامة، سماها "الركن الأخضر"، بمثابة نوع من رد الجميل لأهله، ومد لجسور التواصل بينه وبين أبناء قريته. "القصاص" الذى كرّمه العالم كله بمنحه عضوية عدّة هيئات علمية دولية منها المجمع العلمي المصري والأكاديمية الوطنية الهندسية للعلوم والآداب ونادي روما، كما رأس الاتحاد الدولي لشئون الطبيعة، واللجنة الدولية لشئون البيئة، وحصل على ثلاث درجات دكتوراه فخرية من جامعة السويد والجامعة الأمريكية وجامعة أسيوط.. أهملته الدولة ليبقى طريح الفراش يصارع المرض فى بيته بالقاهرة، يسأل عنه أصدقاؤه القدامى فقط، الدكتور إبراهيم بدران، وزير الصحة الأسبق، ونادية مكرم عبيد، وزيرة الدولة لشئون البيئة سابقًا، أمّا على المستوى الرسمى، فظل معارفه يناشدون المسئولين علاجه على مدى عدّة أسابيع، حتى انتهى الأمر – حفظًا لماء وجه الحكومة – بنقله إلى مستشفى "المنيل" الجامعى..