حكاية الصفقة التي ادت لتراجع الفريق قبل ساعات قليلة من إعلان اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية عن الجدول الزمني للعملية الانتخابية ابتداءً من فتح باب الترشح وتحديد مدة تلقي الأوراق وانتهاءً بالاقتراع في الجولة الأولي وجولة الإعادة، مازال الانسحاب المباغت "للمقاتل الشرس" الفريق سامي عنان رئيس أركان القوات المسلحة السابق من السباق الرئاسي المنتظر قبل إطلاق صافرة البدء، يثير الكثير من علامات الاستفهام، ويثير شهية الخبراء والمحللين لوضع التفسيرات والتحليلات لهذا الحدث الجلل. ومما زاد الوضع غموضاً والتباساً وجود "كوكبة لامعة" من مؤيدي المشير عبدالفتاح السيسي، المرشح الأوفر حظاً وربما الأوحد لرئاسة الجمهورية المصرية، خلال المؤتمر الصحفي المباغت والمليء بالمفاجآت للإعلان عن انسحاب الفريق وعلى رأسهم الكتاب الصحفيون المتنفذون مصطفى بكري، ومحمود مسلم، وياسر رزق، إلى جانب اللواء حسن الروينى، قائد المنطقة المركزية السابق. وبجوار علامات الاستفهام يوجد العديد من السيناريوهات والتحليلات المصاحبة والتي ينحو كل منها في اتجاه ما، فهناك من يرى أن الإعلان عن ترشح عنان ثم ما قيل بشأن تعرضه لمحاولة اغتيال ثم انسحابه الدراماتيكي وما أحاط به من ملابسات، ما هو إلا إلقاء حجر في مياه الانتخابات الرئاسية الراكدة لإعطاءها شرعية وتنافسية محتملة ونوع من أنواع الإثارة لجو الانتخابات العام وأنه لم يكن ليجرأ أن يترشح فعلياً أمام بطل الأمة، وهناك من يرى أن انسحاب عنان جاء في إطار صفقة سرية ينال عنان بموجبها بعض الامتيازات وربما منصب مرموق خلال المرحلة المقبلة بعد استقرار الأمر للسيسي. وهناك من يرى أن عنان قد تعرض لضغوط تفوق قدراته وما كانت محاولة الاغتيال إلا إنذاراً صغيراً تبعه مساعي دبلوماسية واضحة ومؤثرة من مجموعة من سدنة النظام الحالي ومنظري النظام المقبل، وهناك رأي أخر يرى أن عنان اكتشف مؤخراً أنه لا حظ له في الفوز وأنه ربما شعر بالحرج لتيقنه بأن لن يجني إلا عدداً قليلاً من الأصوات قد يزيد أو ينقص عما حصده المناضل اليساري أبو العز الحريري في انتخابات الرئاسة الماضية (250 ألف صوت) فآثر عنان الخروج بسلام رافعاً رأسه راضياً عن شعبيته العارمة بدلاً عن اكتشاف الحقيقة المؤلمة. والغريب في الأمر أن مبررات ترشح عنان هي نفسها مبررات انسحابه فقد أعلنت حملته أن ترشحه نابع من حسه الوطني ومن شعوره بأن هناك ما يستطيع تقديمه لهذا الوطن، وهو نفس ما أكده مصطفى بكري بأن تراجع "عنان" عن الترشح نابع عن حس وطني، فيما وصف محمود مسلم قرار انسحاب عنان بالقرار الحكيم، ويأتي في إطار الحفاظ على وحدة الأصوات المؤيدة للمؤسسة العسكرية وأنه جاء من منطلق وطنيته، وكأن قرار الترشح كان مجافياً للحكمة، وكأن الديمقراطية التي نطمح إليها في مصر تقوم على وحدة الأصوات. ومن أكثر التفسيرات المثيرة للسخرية بشأن انسحاب عنان ما يقال إنه انسحب خصيصاً ليؤكد وليثبت للجميع أنه ليس مرشح الإخوان المسلمين وليس مدعوماً من الولاياتالمتحدةالأمريكية التي يجمعها به علاقات صداقة وطيدة عندما كان رئيساً للأركان، بالرغم من تأكيدات بكري الماضية واللاحقة التي يقول فيها "أنه لا توجد شخصية عسكرية يمكن أن تكون مدعومة من الإخوان أو ممثلة لهم"، وبالرغم من أن غالبية قيادات الإخوان كما يشاع إما في السجون أو هاربين سواء داخل البلاد أو خارجها. ومن الواضح أن الكتاب الصحفيين الثلاث الذين ظهروا في المؤتمر الصحفي قد لعبوا دوراً محورياً، وأغلب الظن أنهم كانوا مدفوعين للقيام به من جهات "معلومة"، في إثناء الرجل عن اعتزامه خوض معركة الانتخابات، وهذا ما يؤكده أحد أعضاء حملة عنان الانتخابية في تصريحات صحفية بأن قرار الانسحاب جاء نتيجة اجتماعين عقدا على مدار يومين فى منزل عنان، وضم الصحفيين الثلاث فضلا عن الرويني ومدير إدارة دار الدفاع الجوى الأسبق، وانتهيا بكتابة بكري ومسلم للبيان الذى ألقاه عنان، وهو ما أكده مسلم بالفعل. وكان من اللافت وقوف بكري ومسلم خلف عنان خلال إلقائه لبيان "التنحي" وكأنهما يحرصان على التأكد بأن الرجل لن يخرج عن النص ولن يزيد أو ينقص حرفاً مما كتب له وهو المشهد الذي أثار ناشطي الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي الذين سخروا من ظهور بكري وراء الفريق سامي عنان، قائلين:الراجل اللي ورا سامي عنان يبقي بكري مان، "هو مصطفى بكري كان واقف ورا عنان في المؤتمر الصحفي ليه ؟! #مثبته_بالمطوة. وجاءت تسريبات شفيق الأخيرة، التي اعترف بصحتها لتصب زيتاً على النار الكامنة وتؤكد أن الأمور كلها مهيأة للمرشح المعروف ذي الشعبية الجارفة وأن تحصين قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية لم يكن إلا لاختصار الزمن وتسريع وتيرة الإعلان النهائي باسم الفائز دون إعطاء ذريعة للتأخير بحجة الطعون في النتائج والتي قد تستغرق ستة أشهر حتى الفصل فيها دون إعطاء أي أهمية ل "توضيب الصناديق" على حد وصف شفيق. وربما التفسير الأكثر منطقية والذي يجمع بين عدة تفسيرات ذُكرت سابقة هو أن المؤسسة العسكرية استشعرت الحرج لوجود مرشحين ينتميان لها فاتبعت منطق العصا والجزرة مع المرشح الدخيل فلما آلمته العصا (ربما محاولة اغتياله المزعومه) تم الإيحاء إليه عبر وسطاء متمكنين بالجزرة (منصب رفيع أو امتيازات خاصة في المرحلة المقبلة) وذلك بما يضمن وحدة الصف والحفاظ على الوحدة الوطنية في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد .