تأملت أحوال الحركة الإسلامية المصرية في هذه اللحظة فوجدت أن معظم فصائلها في حالة خصومة مع أطياف كثيرة من المجتمع المصري وبعضها في حالة حرب مفتوحة مع قوى ومؤسسات في الدولة المصرية.. فهناك حالة خصومة شديدة بين بعض فصائل الحركة الإسلامية والمؤسسة العسكرية والشرطة والمؤسسات الأمنية السيادية الثلاث وصلت إلي مرحلة العداء السافر. ووصلت إلي الحرب بالمتفجرات مع التكفيريين وهم محسوبون شئنا أم أبينا علي الحركة الإسلامية. وهناك حالة خصومة مع مؤسسة الأزهر الرسمية وجامعة الأزهر وإدارتها.. وحالة احتقان وعداء مع مؤسسة الكنيسة وأغلب شعبها الذي يؤيد صراحة أو ضمنا ً قيادتها.. وخصومة كبيرة مع قطاعات واسعة من الإعلاميين والصحفيين.. فضلا ً عن عداء سافر مع مؤسسة القضاء الرسمية ومعظم القضاة.. مع خصومة كبيرة مع كل كوادر الحزب الوطني السابق ومعظم عائلاتهم باستثناء القليل منهم.. فضلا ً عن الخصومة الشديدة والعداء الكبير مع كل القوى المدنية. وهناك حالة عداء مستترة مع رجال الأعمال الكبار والمتوسطين لأسباب كثيرة يصعب حصرها. فضلا ً عن الخصومات بين التيارات الإسلامية المختلفة التي تنتهي بالتراشق المدفعي بألسنة حداد يوميا ً.. تارة بين الإخوان والجماعة الإسلامية من جهة والمدرسة السلفية السكندرية وحزب النور المنبثق عنها من جهة أخرى .. وتارة من الإخوان والصوفية.. وأمام كل هذا العدد الضخم من الخصوم الذين يحتشدون يوما ً بعد يوم في مواجهة الحركة الإسلامية اسأل نفسي دائما ً: من المسئول عن صنع كل هذه العداوات ؟.. وعن حشدها الحالي النادر الحدوث. ومن الذي تفنن في جمع كل هؤلاء الخصوم الذين لم يجتمعوا يوما ً.. من الذي جمع أقصى اليسار مع أقصى اليمين؟.. ومن الذي أغراهم بعداوة الإسلاميين؟ وهل حدث هذا صدفة أم أن بعض الإسلاميين ساهم بقصد أو بغير قصد في صنع وتجميع هذه العداوات؟ ولماذا لم ينجح الدعاة وقادة الحركات الإسلامية المصرية في تفكيك حشد الخصوم والأعداء؟ لماذا لم يفعل الإسلاميون آليات صنع الأصدقاء والتي حكي عنها القرآن وأبرزها وأهمها "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ". هذه الآلية أعظم من كل ما ذكره ديل كارنيجي في كتابه الشهير "كيف تكسب الأصدقاء" إنها تحول العدو إلي ولي حميم وصديق صدوق وسند متين. لماذا لم يتعلم الإسلاميون من رسول الله (ص) أنه لم يحارب علي جبهتين أبدا ً طوال عمره.. ولماذا حاربوا في كل الجبهات في وقت واحد.. وخاصموا معظم قوى المجتمع مرة واحدة ومعها مؤسسات الدولة كلها. من السهل أن نعلق علي شيء علي شماعة أن هؤلاء جميعا ً لا خير فيهم.. وأنهم جميعا ً يكرهون الإسلام.. وهذا غير منطقي لأن القلوب مفطورة علي حب الإسلام والدين ولديها خضوع حقيقي لمن يحمله بحق وصدق وتجرد زاهدا ً في الدنيا وراغبا ً في الآخرة.. فيعطي ولا يأخذ.. ويصفح ولا ينتقم.. ويعدل ولا يظلم.. ويبشر ولا ينفر. لماذا لم نستطع تأليف القلوب كما ألفها رسول الله (ص)؟ لماذا لم نحسن التبشير والتجميع وتحبيب الخلق في الحق بدلا ً من دفعهم لطريق العداواة والصدام . وهل كل هذه المؤسسات والقوى المجتمعية الأخرى سيئة.. وإذا كانت كذلك لماذا لم نستطع تحويلها إلي الصلاح والخير والبر.. أم أننا لم نكن أهلا ً لحمل مسؤولية الهداية في أسهل وطن يمكن إصلاحه ودفعه إلي الخير والبر.. فمصر لا تعرف صراعات مذهبية أو عرقية وليست فيها أديان وعقائد وأجناس. فماذا لو كنا في بلد مثل الهند التي تحوي أكثر من مئات الديانات والأعراق والمذاهب أو العراق أو لبنان أو جنوب أفريقيا؟.. صنع الأعداء وتجميعهم سهل وكسب الأصدقاء والأولياء صعب.. ويبدو أننا فعلنا السهل وتركنا الصعب.. وحاولنا معاداة الجميع حتى الذين لم يرغبوا في ذلك أجبرناهم علي عداوتنا.. وهذا ما أضاع كل الفرص علينا.