"فاترينست".. فن يمتد بامتداد الشوارع ومحال الملابس والأحذية، مهنة تصافح لمساتها الأنيقة عيوننا كل يوم دون أن نعرف أن وراءها مهنة عريقة تضرب بجذورها في أرض التمدن، وهى مشتقة من الفرنسية، وفي العربية تشتق من الفاترينة وهي واجهة أو مدخل المحل الذي يستغله لعرض منتجاته، ومثلما أن عازف البيانو يسمى بيانست والجيتار جيتاريست، فإن فنان الفاترينة هو"فاترينست"، والفاترينة هي لوحته التي يرسمها. علي إسماعيل أحد هؤلاء الفاترينست، قابلناه صدفة في وسط المدينة، لكن تحديد موعد للمقابلة وتصويره أثناء العمل استغرق عدة أسابيع، والسبب هو تنقله الدائم ليس في أحياء القاهرة فقط، ولكن في عدة محافظات، أهمها الإسكندرية التي تحرص محلاتها على تولي فاترينست عملية توضيب الفاترينة بحسه الجمالي. يعرّف "إسماعيل" المهنة بتنسيق الفتارين والموديلات، وتكمن أهميتها في جذب الزبون لشراء المنتج لدى رؤيته في الفاترينة، وبما يعني أن القاترينة هي عنوان المحل. يمارس على إسماعيل المهنة منذ 5 سنوات، ورغم ذلك، فإن المهنة قديمة وهناك أعلام وأجيال لها، لكن الفاترينست قليلون جدا الآن ولا يتعدى عددهم في أنحاء مصر 1000 فاترينست. لنجاح الفاترينست في عمله، لابد من توافر الموهبة والذوق، إضافة لحب المهنة.. كما يقول إسماعيل، مضيفا أن هناك تخصصات فيها، فهناك فاترينست ناجح في عرض الملابس الرجالي، وآخر ينجح في النسائي، هناك متميزون في عرض اللانجيرى، كما أن هناك تخصصا لمجال الأحذية. يشير إسماعيل إلى إحساس الفاترينست أثناء العمل، فهو يقرر أن مانيكان معينا -تمثال العرض- يصلح أكثر من غيره لعرض الجينز وملابس الكاجوال، بينما يصلح آخر للبس بدلة كاملة، كما يرى بإحساسه أن يتم وضع قميص معين على شماعة أو مطبقا. يضيف أن تطوير الذات أمر ضروري، وهو كأي فنان آخر يظل مشغولا ومهموما بفنه، ولديه دوما هاجس التجويد والتحسين، لذا فهو يتابع على الإنترنت مواقع خاصة بعروض الأزياء والدفيليهات، التي يتعرف منها على الموضة والألوان السائدة للموسم، ولديه مانيكان في المنزل يجرب عليه وضع الملابس بعدة صور حتى يصل إلى أفضل صورة ترضي قناعاته الفنية. تختلف لمسة الفاترينست عن الآخر، هناك -كما يوضح إسماعيل- فاترينست "يكجوّل" المانيكان فيجعل روح الكاجوال أو التحرر تطغى على الفاترينة، فيضع في يد المانيكان قطعة ملابس، أو يقوم بلف أو كرمشة قطعة أخرى. وكما أن هناك الكاجوال، فهناك الكلاسيك، وبين الاثنين السيمي كاجوال ولكل منها إحساس لدى العرض، كذلك، فإن الصيفي غير الشتوي في أسلوب العرض وإيقاعه. ويرى إسماعيل أن اللمسة هي الفارق بين فاترينست وآخر، ويقول إن أي إنسان يمكنه "تلبيس" المانيكان، لكن العبرة في اللمسة الأخيرة، وهو لا يستخدم سوى دبوس وشاكوش خفيف طوله لا يزيد عن 15 سم، ويرى أن فرحته الحقيقية نكون عندما يرى أحد الزبائن يشتري من المحل قطعة معروضة في الفاترينة. لا يخفي على إسماعيل أن مهنة الفاترينست تدر عليه دخلا جيدا، لكنه يشير إلى مشكلة أخرى وهى ارتباطها بالمواسم، لذلك فإنه بعمل كثيرا ويكسب كثيرا في بعض الأيام ويظل بلا عمل في فترات طويلة. أما الدخل فيقول إنه يختلف من محل لآخر، حسب حجم المحل أو الفاترينة وعدد المانيكانات فيها، كما يختلف حجم العمل بين محل وآخر، فيكفي 7 ساعات في محل، ويحتاج آخر لأسبوع. عن شيوخ المهنة يذكر إسماعيل اسم وائل مزروعة وألفونس، مشيرا إلى أن هناك العديد من أساتذة المهنة تعلم منهم الجيل الحالي، لكنه يشير لتطور العصر، فقديما كانوا يستخدمون الخيوط النايلون للعرض، وهى وسيلة تعداها الزمن الحالي الذي يعتمد على الحيوية في العرض، وهو ما نلمسه أكثر في الديكور المصاحب، فقديما كان الاعتماد على بوستر، فيما أنه الديكور حاليا طبيعي. من ناحيته، يقول أمين عبد الحافظ صاحب محل ملابس بوسط القاهرة، إنه يبحث عن مواعيد الفاترينست بشكل أساسي أولا، لأن مواعيدهم كثيرا ماتكون مضغوطة، فيما أن المحل يكون لديه بضاعة جديدة يجب عرضها قبل نهاية الأسبوع مثلا، رغم ذلك يشير إلى أن علاقة الفاترينست بالمحل تتحول إلى عشرة عمر وتمتد إلى 15 عاما أحيانا. يقول عبد الحافظ إن هناك اشتراكا في الرؤية بين الفاترينست وصاحب المحل، فالثاني يكوّن تصورا للفاترينة على ضوء مالديه من بضاعة ويتناقش من الفاترينست، ويطلب منه إبراز قطعة معينة، وهناك جلسة عمل تكون بين الاثنين قبل بدء العمل، كما يتم مراعاة موسم العرض، مشيرا إلى أن المهنة في تطور دائم، مما يجعله حريصا على المتابعة، ويخصص يوما في الأسبوع لمشاهدة ماتعرضه المحلات الأخرى، خاصة التوكيلات الكبرى، ويعترف أنه يستفيد من ذلك في معرف الأوان السائدة وطريقة العرض. رغم ذلك يؤكد أهمية عمل الفاترينست ولمسته الفنية في العرض مما يجذب الزبون للشراء، ويقول إنه يعرف الفاترينست الجيد من أول لمسة له، موضحا أن العنصر الأهم هو جمال القطعة المعروضة، ولايتم عرض قطعة إلا بعد إعجاب جميع طاقم عمل المحل بها، لتتحول مهمة الفاترينست إلى براز جمالها.