لو كانت الثورة المصرية قد نجحت واكتملت بالفعل لما بقيت هذه الوجوه القميئة من كل الاتجاهات تطل على المصريين صباح مساء وكأنها تخرج ألسنتها لمن اكتووا بنار الثورة وعاشوا تحت البرد والنيران والدخان في ميدان التحرير وميادين مصر جميعها.. فأقل ما يوصف به حال الإعلام في مصر في المرحلة الحالية هو أنه عهر بين لا يخفى على أحد.. لو كانت الثورة قد اكتملت لاكتسحت كل تلك الوجوه التي تحاول إعادة إخراج المأساة من جديد ولخرجت مكانها وجوه شابة جديدة في كل مجال.. لا يعقل ان يخرج مذيعون وصحفيون وسياسيون تلطخت وجوههم بالزيف كما تلطخت بألوان المكياج وهم يمارسون لعبتهم القديمة على أبناء مصر المنكوبة.. لا يعقل ان يكون لدى هؤلاء ضمير واحساس وقد باعوا انفسهم من قبل لنظام مارس القتل والتنكيل بحق شعب مصر ليخرجوا مرة آخرى في هيئة الأبطال وهم يمارسون التلون في أقبح صوره.. إن اقل ما يوصف به هؤلاء أنهم فقدوا الحياء والخجل.. هم شخصيات غير محترمة أمام الناس وأعتقد أنهم غير محترمين أمام أنفسهم.. أبطال لكل العصور ومنافقون في كل العصور.. لكن المشكلة ليست في هؤلاء إنما هي في منظومة متكاملة تسمح بكل ذلك وإذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص.. الإعلام الرسمي هو أول من مارس التزييف وجند له جنودا ذهب بعضهم ومازال جلهم باقيا وإن ارتدى ثوبا آخر وغير سيده.. وأكاد أؤكد أن النظام الذي كان معمولا به من قبل الأجهزة الأمنية في عهد الرئيس المخلوع في مجال تسيير الإعلام مايزال قائما حتى الآن ففي عهد النظام المدحور كانت الأجهزة الأمنية تسيطر سيطرة تامة على وسائل الاعلام واختيار قياداتها سواء كانت تلك الرسمية أو تلك التي كانت تسميها بالمستقلة والتي لم تكن تحمل من الاستقلالية سوى اسمها وكانت تلعب اللعبة الأخطر من خلال تظاهرها بمعارضة النظام بينما كان القائمون عليها يتمرغون في أحضان هذا النظام.. شيء مفجع بالفعل أن تخرج كل هذه الملايين إلى شوارع مصر وأن تفقد مصر مجموعة من خيرة شبابها كي يعيد النظام إخراج نفسه مرة أخرى من خلال نفس الجوقة المنفرة التي كانت تلوث ادمغة المصريين في عهد النظام المدحور.. لكن هؤلاء الذين فقدوا حياءهم والذين مازالوا يخرجون عبر شاشات التلفاز سواء في التليفزيون الرسمي او تلك القنوات التي لا يعرف أحد من يمولها أو من أين أتى اصحابها يراهنون على فكرة غبية لا توجد إلا في أذهانهم فقط وهي أن الشعب المصري شعب غير واع وأنه سينسى ادوارهم القديمة وينخدع بخطابهم الجديد وهو ما يبدو غير متحقق حتى الآن فمعظم المصريين العاديين يدركون ان تلك الوجوه القميئة هي العلامة الرئيسية على أن الثورة لم تكتمل وأن اصحابها هم صدى لأنفسهم أو لنظام قديم متعفن لم يرحل بعد ومازال يتحرك من وراء الستار.. إن مأساة مصر في جلها تتمثل في طبقة اعلامييها ومثقفيها والذين يصدق عليهم بالفعل قول إنهم قتلة بأجر في معظمهم ومشهد مصر الإعلامي الراهن هو خيردليل على ذلك.. وفي تصوري فإن هؤلاء مستعدون لبيع أي شيء مقابل مصلحتهم الشخصية وهم في الغالب مازالوا يتعاملون مع مصر كبقرة ذبيحة يسعى كل واحد منهم للحصول على نصيبه منها دون أي اعتبار لأي شيء آخر وما يجعل الأمر اكثر سوءا هو عدم وجود أي كود أخلاقي يحكم الأداء الإعلامي في المرحلة الراهنة التي اختلط فيها الحابل بالنابل.. لا أحد بالطبع يريد أن يعود النظام للسيطرة على الوسائل الاعلامية كما كان في العهد البائد ولكن المضي إلى النقيض تماما أيضا هو ضرب من الخلط والتشويش ومحاولة الباس المنافقين القدامى لباس الأبطال وخداع البسطاء من أبناء هذا الشعب وهو ما لن يؤدي ابدا إلى الاستقرار فالجميع يجمعون على أن هناك مراحل لم تنجز بعد للثورة المصرية وعندما تنجز تماما ويعود الوعي الكلي لهذا الوطن سيتخلص تلقائيا من المنافقين والمتلونين ومدعي البطولة.