أفزعتني إحصائية أصدرتها لجنة الصحة بمجلس الشورى قبل حله بعدة ايام جاء فيها ان 99% من الشعب المصري غير قادرين على العلاج من الأمراض الكبيرة. وسبب فزعي انه لم يعد في مصر أمراض صغيرة، فقد تراكمت صغائر الأمراض على غير القادرين من المصريين حتى تحولت بمرور الوقت الى أمراض كبيرة في ظل غياب كامل لأنظمة الرعاية الصحية المبكرة أو المتأخرة. والأرقام لا تكذب، فقد كشفت الاحصائيات الموثقة، والتي جاءت في استجواب برلماني لوزير الصحة الاسبق الدكتور حاتم الجبلي، ان 25% من الشعب المصري (20 مليون انسان) مصابون بالفشل الكلوي، ويلقى 90 ألف مصري حتفهم سنويا بسبب هذا المرض، وان عدد مصابي "الالتهاب الكبدي سي" وصل إلى 7.5 ملايين مواطن، ووصل عدد مرضى السكر إلى أكثر من 8 ملايين مصري، ويصاب 100 ألف مواطن سنويًّا بالسرطان، وان 48% من الأطفال والمراهقين مصابون بالأنيميا، وأن 9 فقط من كل ألف خريج جامعة يصلحون صحيًّا للالتحاق بالخدمة العسكرية. وفي ظل عدم قدرة المواطنين على العلاج، فإن مصيرهم الى الموت لا محالة، لأن الحكومات المصرية طوال العهد البائد تخلت عن مسئوليتها عن الرعاية الصحية للفقراء الذين يبلغون نسبة 99 % من اهالي مصر المحروسة. حيث تشير الاحصائيات الى ان نسبة الانفاق الحكومي على الصحة تبلغ 4% من الموازنة العامة طوال العقود الماضية. وتلك النسبة تقل كثيرعن نسبة 15% المتفق عليها عالميا كأقل نسبة معقولة للإنفاق على الصحة. ووفقا لاحصائيات منظمة الصحة العالمية فإن نصيب المواطن المصري من الانفاق على الصحة يبلغ 93 دولارا سنويا، ويتضح مدى قلة هذا الرقم مقارنة بدول عربية اخرى حيث تبلغ 238 دولارا بالاردن و803 دولارات في الكويت و494 دولارا في لبنان و113 دولارا بالمغرب و332 دولارا في عمان و 1864 دولارا بقطر و492 دولاراً بالسعودية و156 دولارا بتونس و1018 دولارا بالامارات العربية المتحدة. اما في اسرائيل فيقول التقرير ان متوسط الانفاق على الصحة للفرد الواحد يصل الى 1675 دولارا. وكان من نتيجة ذلك عدم توفير المبالغ الكافية لمنح مرتبات معقولة للاطباء وكوادر التمريض مما ادى الى هروب الكفاءات من المستشفيات الحكومية الى القطاع الصحي الخاص بعد اغرائهم بمرتبات مضاعفة. أما الاطباء الذين ارتضوا البقاء في القطاع الميري تحول معظمهم الى مقاولين يقومون بتسريح السماسرة بين صفوف المرضى المكدسين، والذين يفترشون الارض أمام العيادات الخارجية بالمستشفيات الحكومية ومستشفيات التأمين الصحي تطحنهم الآلام، للاتفاق معهم على دفع ثمن الكشف الذي يسمى "الفزيتا" لانهاء معاناة الانتظار، ثم المتابعة في العيادات الخاصة. وقلة الميزانية أدت أيضا الى خلو المستشفيات الحكومية من الدواء، ونظرا لأنني اسكن أمام مستشفى القناطر الخيرية المركزي اشاهد يوميا المرضى الفقراء يصرخون من الآلام، وتتعالى صرخاتهم عندما يطلب منهم الطبيب شراء الدواء من الصيدليات الخاصة. واقابل يوميا عشرات المرضى الذين يتسولون من المارة، الفقراء ايضا، ثمن الدواء. وبحت أصواتنا ونحن نطالب بزيادة الاستثمار في صحة المواطنين نظرا لارتفاع مردوده الاقتصادي والاجتماعي، ودعونا ننشر مظلة تأمين صحي شامل وحقيقي على جميع المصريين، ونتطلع لحكومات الفترة الانتقالية وحكومات ما بعد ثورة يناير ان تأخذ صحة المواطنين بعين الاعتبار.