منذ الإطاحة بالرئيس المخلوع مبارك وحتى كتابتي هذه السطور “كمراقب”؛ لم تشهد أرض الكنانة تغيير يذكر، لأن الثورة الرمز والقدوة تراوح مكانها في ميدانها الوحيد “الشارع المصري”، وما أنتجته عمليًا لا يتجاوز الانقلاب العسكري على رأس نظام الحكم السابق، نفذه المشير طنطاوي، وحليفه اللواء سامي عنان، وكبار الضباط الذين عادوا من واشنطن إلى القاهرة “بقرار أمريكي ” إبّان الثورة، في حين ظلت كل رموز النظام ومؤسساته وزمرته على حالها، بل بعضهم تمادى في استغلال الأوضاع الراهنة لتحقيق مكاسب شخصية إضافية في مرحلة اختلاط الأوراق والحابل بالنابل، على قاعدة "أنا ومن بعدي الطوفان". كان يجب على الثورة أن تفرز من ميدانها قيادات في ذلك الوقت، تسن قوانينها وتترجم أهدافها بقرارات حازمة حاسمة لا تقبل المساومة أو المهادنة، هذه سمات الثورات، ولنا في أول شراراتها في الشقيقة تونس خير مثال؛ حيث استطاع الثوار تسخير رموز النظام السابق لخدمة ثورتهم في بداية الأمر، إلى أن وصلوا بر الأمان بانتخابات برلمانية ورئاسية لا غبار عليها، عمادها المواطن التونسي ومصلحة البلاد. أقول: احسبوها صح... ماذا تعني فترة النقاهة “طويلة الأمد” التي يتمتع بها المخلوع في شرم الشيخ وأرقى المستشفيات المصرية، وأبناء الثورة المصابين برصاص نظامه يفقد بعضهم حياته والبعض الآخر بصره أو أحد أطرافه؟!! ماذا يعني انشغال الشارع المصري بالمحاكمة الشكلية الهزلية للمخلوع وأبنائه والعادلي وزمرته وفق قوانين فصلها النظام السابق بمقاساته الخاصة؟!! ماذا يعني انتظار قرار المحكمة لوضع يد الشعب المصري على ما نهبه المخلوع وأفراد عائلته والأقارب والأصهار والزمرة الفاسدة؟!! ماذا يعني استمرار قمع المتظاهرين على غرار موقعة “الجمال والحمير”، في أكثر من موقع، والشواهد كثيرة “ مبنى سفارة العدو، اعتصام ماسبيرو، احتجاج أسر شهداء التحرير المصابين، حوادث القتل والضرب وأخيرها وليس آخرها السحل وتعرية حرائر مصر في ميدان التحرير”؟!! ماذا يعني مسلسل القتل المستمر الذي أودى بحياة 2286 متظاهرًا، وأدى لإصابة 7811، بينهم 324 حالة فقدان إحدى العينين، وسجن 16 ألف شخص في أقل من سنة؟!! ماذا يعني تكليف رئيس وزراء - كان أحد ركائز الفساد في النظام السابق - بتشكيل حكومة إنقاذ وطني، بعد إفشال حكومة نال رئيسها شرعيته في ميدان التحرير، ولا أحد يدري كيف كان يدير شؤون البلاد؟!! ماذا يعني انضباط الشارع المصري وغياب “اللهو الخفي” و”البلطجية” وخزعبلات الطرف الثالث الذي يرهبون به البشر، خلال انتخابات مجلس الشعب التي لم تشهد أية دولة في العالم مثيلها في النظام والسلاسة والنزاهة والهدوء؟!! ماذا يعني غياب المقترعين عن انتخابات الإعادة التي شهدت تواجد المعنيين بالنتائج فقط، الذين حسموا أمرهم، في ظل غياب أبناء الثورة عن ميدانهم الحقيقي؟!! ماذا يعني تشكيل مجلس استشاري بلا صلاحيات، يتلقى تعليمات من المجلس العسكري لإبداء الرأي غير الملزم في أية قضية تعرض عليه “لا يهش ولا ينش”؟!! ماذا يعني الإبقاء على السياسة الإعلامية الرسمية التي تديرها فئة “ منتهية الصلاحية “، بعد إجراء رتوش التجميل التي تتماشى مع الواقع الجديد شكلاً “نيو لوك” في حين لم يتغير مضمونها كنظامها السابق؟!! ماذا يعني تجاهل المشروعات التي طرحها أكثر من متخصص “عمادها تخفيض البطالة ودعم الدخل القومي”؟!! ماذا يعني إنهاك الاقتصاد المصري، وما يتكبده من خسائر يوميًا، على أيدي قناصي الفرص الذين يستثمرون في النكبات والأزمات؟!! ماذا يعني إذكاء نار الطائفية، وإلغاء المواطنة عن أحد ركائز المجتمع المصري “الأقباط”، والتعامل معهم كأقلية وجذورهم مصرية، في حين باتت تطفو أخيرًا على السطح تصنيفات لم يعهدها الشارع المصري “شيعي – سني”؟؟!! ماذا يعني تفرد "لون واحد" بأغلبية مقاعد مجلس الشعب؛ في حين غابت الثورة عن ميدانها الحقيقي “تمثيل الشعب”، كما غابت من قبل عن الحكومة السابقة والحالية، وتركت “الحبل عالغارب” لآخرين؟!! ماذا يعني انشغال الشارع المصري ب”أحاديث المقاهي” و”المكالمات” عبر بعض الفضائيات، و”النكات” عبر الإنترنت، حول شكل الحكومة ذات “اللون الواحد” ومصير السياحة، وعمل المرأة، والنقاب والحجاب......إلخ؛ في حين نسي الجميع المليونيات التي اجتاحت شوارع مصر كلها وخلعت مبارك؟!! ماذا يعني اللهاث عبر التصريحات الإعلامية، وإعلان المواقف مسبقًا للحصول على صك غفران وبراءة ذمة من واشنطن وتل أبيب، في حين تجاهل اللاهثون متطلبات الشارع؟!! ماذا يعني حرق مبنى المجمع العلمي، الذي يضم كنوز من المخطوطات والخرائط والكتب النادرة، وكان الاعتداء طال من قبل المتحف الوطني؛ حيث سرقت بعض كنوزه؟!! احسبوها صح... الشعب المصري سمته الرئيسة “الطيبة والتسامح”، وفي حسابات الأغلبية ما يجري حاليًا على الساحة “تحصيل حاصل”، لأن المعركة الحاسمة في انتخابات الرئاسة التي ينتظرها الجميع بفارغ الصبر “وهكذا حال شارعنا العربي وليس مصر فحسب”...ننتظر الزعيم الفرد الأوحد الذي يحل مشاكلنا الداخلية والخارجية، حتى الأسرية، لاعتقادنا أنه يملك عصا موسى!! الربيع العربي الذي انطلق من تونس يجب أن نغتنم رياحه قبل أن يحولها الأعداء إلى عواصف لا تبقي ولا تذر، لأننا جميعًا نملك عصا موسى التي لوحنا بها في شوارع عواصمنا العربية “ولم نضرب بها بعد”، فأسقطت طغاة كانوا يفصلون بسياطهم النازية لحمنا عن عظامنا طوال سنوات سرقت أعمارنا، وحرمتنا نسائم الربيع حتى في أحلامنا. آن الأوان يا شباب ورجال ونساء وشيوخ وأطفال ثورة 25 يناير، وكذلك أشقاءكم من المحيط إلى الخليج أن يدقوا “ساعة العمل”، كي تقطفوا ونحن وأحرار العالم معكم، الثمار قبل أن يخطفها غربان “ الشوم “، فعصا موسى لا تزال بين أيديكم، شمروا عن سواعدكم للبدء بمسيرة بناء لا تنتهي، تواصل إنجازاتها الأجيال المتعاقبة، لتظل مصر أم الدنيا، بقاهرة المعز لأبنائها المذل لأعدائها. .................................... كاتب صحفي فلسطيني