هل العلاقة بين الإسلاميين والغرب علاقة عدائية؟ بمعنى هل ينظر الإسلاميون إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول أوربا على أنها دول تدخل في فسطاط الأعداء وليس الأصدقاء، ولا يمكن التعاون معها في الوقت الحاضر أو مستقبلا في إطار من المصالح المشتركة التي تجمع بين الطرفين، وهل يختصر الغرب في أنه تابع لسياسات إسرائيل واحتلالها لفلسطين وهضبة الجولان ومزارع شبعا، وسياستها العدائية تجاه المنطقة العربية. بدأية دعونا نقر أن الفترة الماضية خاصة بعد نجاح ثورة يناير في مصر والثورتين التونسية والليبية شهدت لقاءات كثيرة بين معظم إن لم نقل كل سفراء الولاياتالمتحدة وأوروبا مع التيارات الإسلامية في هذه الدول، وأن الغرب بزعامة الولاياتالمتحدة قد اعترف بقوة وتأثير الإسلاميين في المنطقة، وأنهم القادمون لحكم هذه الدول الثلاث على الأقل عن طريق صناديق الانتخاب، وأنه يجب التعامل والتعاون معهم شاء الغرب أم أبى، وأن هذه الحوارات التي حدث كثير منها في القاهرة مع حزب الحرية والعدالة، نتج عنها تفاهمات وإيضاح للصورة السلبية عن التيار الإسلامي في مصر والمنطقة، وهذه الحوارات نتج عنها أيضا تغيير موقف الغرب العدائي تجاه الإسلاميين في دول الثورات العربية. الإسلاميون أيضا غيروا موقفهم من العداء الصارخ للولايات المتحدة وأوربا، وبدأوا يشعرون وهم على أعتاب السلطة، أنهم لن يستطيعوا النجاح في تجربهم الجديدة في الحكم إلا بالتعاون مع الولاياتالمتحدة -القوة العسكرية والاقتصادية الأولى في العالم- وكذلك أوربا المتحالفة معها في جميع المواقف، وإلا كان مصير الدول التي سيحكمونها العزلة الدولة والحصار الاقتصادي، وليس بعيدا عن أذهانهم تجربة حماس في الحكم وتجربة الجبهة الإسلامية للإنقاذ في السودان، وكيف كان ومازال الحصار عليهما والذي انتج إنفصال غزة عن الضفة وجنوب السودان عن شماله. فإذا كان الغرب قد غير مواقفه العدائية إلى التفاهم والاستعداد للتعاون المشترك، فإن الإسلاميين غيروا أيضا مواقفهم وبدأوا يفصلون بين سياسات الغرب الداعمة لإسرائيل في جرائمها العدائية تجاه جيرانها من العرب، واحتلالها لأرض عزيزة على قلب كل عربي ومسلم هي أرض فلسطين، وبدأوا يفضلون الفصل بين الجانبين، فالغرب يريد الاطمئنان على مصالحة في هذه الدول ولا يريد حربا بينها وبين إسرائيل، والإسلاميون يريدون التعاون معه في الجوانب الاقتصادية والعسكرية والعلمية والسياحة وغيرها ولا يستعجلون مواجهة غير متكافئة بينهم وبين إسرائيل المدعومة أمريكيا وأوربيا في وقت هم غير مستعدين لذلك، فهم سوف يتسلمون الحكم في دول منهكة اقتصاديا وضعيفة عسكريا، ولديهم ملايين العاطلين وأمامهم وقت كبير لتحسين مستويات المعيشة لمواطنيهم والنهوض بأوطانهم اقتصاديا وتقوية جيوشهم قبل الدخول في مغامرة غير محسوبة العواقب. إذن من مصلحة الجميع أن يتم تنحية العداء جانبا، بل وتقوية الروابط الاقتصادية والاستفادة من علوم الغرب المدنية والعسكرية، وأن يتم الفصل نهائيا بين مواقف الغرب الداعمة لإسرائيل، وأن يترك الصراع والأحلام بتحرير فلسطين من الصهاينة حتى إشعار آخر تكون فيه القوة متكافئة أو تجري محاولات لزحزحة هذه المواقف الداعمة والمساندة لإسرائيل لتكون أقل حدة. هذه العلاقة الجديدة بين أنظمة حكم إسلامية تشرع في النهوض بدولها وبين الغرب لن تأخذ طابع التابع والمتبوع، أو الوكيل عن الغرب كما كان الحال في انظمة مبارك وبن علي والقذافي، بل ستكون علاقة قائمة على المصالح المشتركة، بمعنى أن يحدث توافق واتفاق في بعض المواقف وانتقاد ومواجهة في حالات اخرى، وان تتم على أساس المصالح المشتركة لكل دولة على حدة وليس مواقف مجمعة لهذه الدول الثلاث. وهذه العلاقة الجديدة أيضا لن تكون في قوة علاقة الانظمة السابقة بالغرب، بمعنى أن لا ينتظر الإسلاميون أن تظل الولاياتالمتحدة تقدم نفس المعونة التي كانت تقدمها لنظام مبارك أو بن علي، بل إن على هذه الانظمة الوليدة ان تشرع في تقوية اقتصادياتها بعيدا عن الدعم الخارجي وبالجهود والعقول الذاتية، او ربما تظل لفترة وجيزة حتى تتضح لها الصورة كاملة، لذلك فإنه على الاسلاميين أن يتخذوا من تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا نموذجا يجب أن يحتذى في هذه العلاقة وأن لا تدع شعرة معاوية تنقطع بينها وبين الغرب، وأن يكون لها حرية الانتقاد والتوجه في سياساتها كما تفعل تركيا لا كما كانت تفعل الأنظمة السابقة.