كل عام وكل المصريين بخير بمناسبة عيد الأضحى المبارك أعاده الله على الجميع بكل خير. ويسمى العيد في العامية المصرية عيد الضحية. ولذلك أردت أن أبحث عن الضحية التي يضحي بها في هذا العيد. الذي نسميه العيد الكبير ويسميه البعض عيد اللحمة. لذلك يمكننا متابعة أوضاع اللحمة في مصر، كمظهر من مظاهر البهجة عند البعض، وموسم (الزفر) عند البعض الآخر. وكأحد المنتجات التى تعكس السياسة الزراعية. اتبعت مصر سياسة زراعية تعتمد على السوق المفتوح والاستيراد بلا حدود فعرفنا احتكارات استيراد اللحوم والفساد الذي كان يشوبها على مدى سنوات وضرب المربين الصغار وانهيار التعاونيات وتضخم الشركات الزراعية الكبيرة. وبدلاً من تطوير وتنمية مصادر الغذاء تدهورت أوضاع الغذاء وعلى رأسها اللحوم الحمراء التي يتعامل معها المصريون باعتبارها من الكماليات. الاكتفاء الذاتي تدهورت نسب الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء في مصر من 87.5% عام 2001 إلى 74.2% عام 2006. رغم ذلك فقد زاد الإنتاج المحلى من 695 ألف طن إلى 855 ألف طن ولكن مع زيادة السكان ضاعت زيادة الثروة الحيوانية. لذلك ارتفعت كمية العجز في اللحوم الحمراء من 99 ألف طن عام 2001 إلى 298 ألف طن عام 2006. وصل الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء إلى 67.2% عام 2008 بما يعني أننا نستورد 22.8% من اللحوم الحمراء من الخارج، مع كل ما يرتبط بالاستيراد من فساد واحتكار وأضرار صحية. ويقدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حجم الفجوة في اللحوم الحمراء بنحو 448 ألف طن عام 2008. كما بلغ متوسط النصيب السنوي للفرد من اللحوم الحمراء عام 2006 حوالى 14.3 كيلو جرام سنويًا، وصل عام 2009 إلى 14.8 كيلو جرام وفقًا لبيانات الجهاز. وهذا الرقم يشكل متوسط عام غير واقعي لأن خلل وسوء توزيع الدخل يجعل فئات تستحوذ نصيب أكبر من الثروة على حساب إفقار فئات أخرى من المجتمع. لو صحت أرقام استهلاك اللحوم الحمراء لكان نصيب الفرد شهريًا 1.25 كيلو جرام ولأسرة مكونة من 5 أفراد يصل إلى 6 كيلو جرامات وبمتوسط سعر 60 جنيهًا للكيلو فإن الأسرة تحتاج إلى 360 جنيهًا شهريًا لتغطية اللحوم فقط وهو رقم يفوق إمكانيات العمال والفلاحين وفقراء الريف والمدن. الإنفاق على الطعام يرتبط النمط الغذائي للأسرة بمستوى الدخل فكلما انخفض مستوى الدخل زاد الإنفاق على الطعام والشراب ليصل إلى 56% في الأسر التي يقل دخلها عن 2000 جنيه سنويًا (166 جنيهًا شهريًا)، بينما لا يتجاوز 23% في الأسر التي يبلغ دخلها السنوي 50 ألف جنيه. وإذا نظرنا إلى العالم سنجد الإنفاق على الطعام لا يمثل سوى 35.7% من الدخل في سيريلانكا و24.8% في إيران و21.8% في تايوان وكلها دول متوسطة الدخل مثل مصر. وفي تقرير للبنك الدولي فإن اللحوم والأسماك تمثل 417 سعر حراري للمواطن في البرازيل و493 في الصين و280 في الفلبين بينما لا تتجاوز 128 سعر حراري في مصر. ووفق تقرير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لعام 2011 يعتمد المصريون على الحبوب كمصدر لأكثر من 64 % من السعرات الحرارية التي يحصلون عليها يوميًا، بينما لا تمثل المنتجات الحيوانية كلها سوى 6% من السعرات الحرارية للمصريين. يقر تقرير الفاو أن 73% من الطاقة التي يتناولها المصريون في طعامهم من النشويات وبما يعكس النمط غير المتوازن في الطعام المصري. وهو ما يؤدي إلى ارتفاع نسب الإصابة بالأنيميا والسكر كما سنعرض لذلك في نقطة تالية. المصريون واللحوم الحمراء أعد مركز معلومات مجلس الوزراء استطلاع رأي في أبريل 2010 حول "استهلاك الأٌسر المصرية من اللحوم الحمراء في ظل ارتفاع أسعارها". اتضح أن 62% من أسر المبحوثين تستهلك ما بين 2 كيلو وأقل من 6 كيلو جرامات شهريًا، 52% أقروا بانخفاض استهلاكهم من اللحوم الحمراء، وأوضح 89% منهم أن أسعار اللحوم كانت أعلى من المعتاد. أوضح 21% من الأسر أنها لم تشترِ لحوم حمراء على مدي ثلاثة شهور من فبراير إلي أبريل وأوضح 68% منهم أن ذلك بسبب أرتفاع أسعارها، 14% أوضحوا أنه بسبب سوء الأحوال المادية وقلة الدخل. وفي تقرير آخر لمركز المعلومات بعنوان "ماذا يأكل المواطن المصري؟" وصدر في عام 2007. يري التقرير أن اللحوم الحمراء لا تمثل سوي 1.2% فقط من مصادر الطاقة الغذائية اليومية للمصريين، وأنه حدث تحول في الاستهلاك من اللحوم بين عامي 2000 و2005 لصالح اللحوم البيضاء. وهو ما سقط أيضا بعد هجوم إنفلونزا الطيور وارتفاع أسعارها. البروتين وصحة المصريين قد يعتقد البعض أنه ليس باللحوم الحمراء وحدها يحيى الإنسان، وأن الفقراء يدبرون غذاءهم بطرق رخيصة تلائم دخولهم المعدومة. لكن الحقيقة التي تواجهنا هو مدى تأثير ذلك علي صحة الفقراء . يؤكد تقرير وزارة الصحة لعام 2009 عدة حقائق منها: - نسبة أنيميا نقص الحديد بين السيدات في سن الإنجاب تبلغ 39.4%. - نسبة الأطفال دون الخامسة ووزنهم أقل من الطبيعى 7.5%. - نسبة الأطفال دون الخامسة والهيموجلوبين لديهم أقل من 11جم تبلغ 48.5%. - نسبة انتشار نقص فيتامين (أ) بين الأطفال أقل من 5 سنوات يبلغ 6%. وفي دراسة أعدتها منظمة الصحة العالمية على أطفال المدارس الابتدائية والإعدادية في القاهرة والجيزة اتضح أن 22% منهم يعانون من قصر النظر وما يترتب عليه من ضعف في التحصيل الدراسي. الدكتورة منى غبريال أستاذة التغذية بالمعهد القومي للتغذية تصف انتشار أمراض نقص التغذية بأنه وضع كارثي، والدراسات التي أجراها المعهد. تؤكد أن نقص التغذية يمثل مشكلة صحية خطيرة في مصر، كما أكدت منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة "الفاو" ، أن في مصر 2.4 مليون جائع 75% منهم في مناطق الأرياف، دراسة أخرى صدرت عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية و أعدتها د. ابتسام الجعفراوي ذكرت أن 52.2% من الأسر المصرية توجد تحت خط الفقر الغذائي. كما أعد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار دراسة بعنوان "الملامح الصحية للأطفال في مصر هل تغيرت؟" ذلك في أغسطس عام 2008 واتضح خلالها أن الحالة الصحية للأطفال دون سن خمس سنوات كالتالي: - 3.9% من الأطفال مصابون بالنحافة (الهزال) نتيجة سوء التغذية. - 17.6% من الأطفال يعانون من قصر القامة (التقزم). - 27.7 % من الأطفال يعانون أنيميا بسيطة و20.6% يعانون من أنيميا متوسطة و0.3% يعانون من أنيميا حادة. - تختلف هذه النسب بين الريف والحضر حيث تزيد في الريف، وبين الوجهين القبلي والبحري بمعدلات أعلى في الوجه القبلي وبما يعكس سوء التوزيع الذي يشتد بفعل سياسات السوق المفتوح والاحتكار. كما أكدت دراسات أخرى عن أمراض سوء التغذية نفس الحقائق ومنها: - أن الوضع الحالي لتغذية الطفل في مصر يشكل تهديدًا على صحة الأجيال القادمة وطبقا لمؤشرات المسح الصحي الديموجرافي 2008 ،فان هناك طفلاً واحدًا من بين كل أربعة أطفال تحت سن الخامسة مصاب بالتقزم (25%) وتزيد هذه النسبة في الريف عن الحضر (26% ، 23%). - كما أن هناك أكثر من طفل واحد من بين كل 10 أطفال مصاب بقصر قامة حاد (10%) و7% من الأطفال المصريين مصابون بالنحافة. - عند مقارنة هذه النتائج ببيانات المسح الصحي الديموجرافى 2005 يتبين أنه كان هناك 18% من الأطفال دون الخامسة يعانون من التقزم و6% يعانون من قصر قامة حاد كما يتبين أن هناك تدهورًا في مستوى صحة الأطفال ونموه العقلي ينشأ مباشرة عن سوء التغذية. - يعكس تتبع نسب التقزم خلال الفترة من عام 1992 إلى 2008 وجود تدهور حاد في الفترة بين 2005 و2008 مما يستدعى تدخلات عاجلة لمواجهة هذا التحدي على المدى القصير والوقاية منه على المدى الطويل. - يشير المسح الديموجرافى أن 15% من الشباب و23 % من البنات في سن 10 – 19 سنة يعانون من نقص الوزن عن المعدلات الطبيعية في حين أن 15% من الشباب و23% من البنات من سن 10 – 19 سنة يعانون من نقص الوزن عن المعدلات الطبيعية. - طبقًا لمؤشرات المسح الصحي الديموجرافى لعام 2005 يعاني طفل من بين كل طفلين من درجة ما، من الأنيميا كما نجد أن انتشار مستوى الأنيميا في الأطفال أقل من 5 سنوات عام 2005 أكبر بالنسبة لعام 2000 فبينما كانت نسبة انتشار الأنيميا بين الأطفال عام 2000 لا تتجاوز 30% ارتفعت هذه النسبة عام 2005 لتبلغ 49%. - يعانى 25% من صغار الشباب و33% من صغار الإناث من الأنيميا البسيطة أما بالنسبة للأنيميا المتوسطة يعانى 6% من صغار الشباب و5% من صغار الفتيات وذلك في الفئة العمرية من 10-19 سنة وتبلغ نسبة الأنيميا الشديدة أقل من 1%. - بينما كان إجمالي نسبة الإصابة بالأنيميا عام 2000، 28% ارتفعت هذه النسبة عام 2005 لتصبح النسبة 36% ويشير ذلك لعدم فاعلية جهود دعم تغذية الطفل في هذه المراحل السنية الخاصة مع تزايد عدد أفراد الأسرة. - المرض وغلاء الأسعار والبطالة من الأسباب الرئيسية لانخفاض دخل الأسر الضعيفة/الهشة (دراسة برنامج الغذاء العالمي عام 2008). - زيادة معدلات الفقر المدقع نتيجة ارتفاع معدلات التضخم في مصر، حيث ارتفعت تكلفة توفير أرخص سلعة غذائية أساسية بنحو 47% بين فبراير 2005 و2008. - ارتفاع خطر التعرض للفقر المدقع في مصر حيث انتقل حوالي 6% من سكان مصر إلى شريحة الفقر المدقع في فبراير 2008 وهى نسبة غير مسبوقة منذ عام 1990. هكذا يرتبط سوء التوزيع بالفقر والبطالة والمرض وارتفاع نسب الأمية، ويتضح أن تناول اللحوم الحمراء يجب أن يكون جزء من إعادة تنظيم نمط غذاء الأسرة المصرية. لكي تتحسن صحة أطفالنا وترتفع قدرتهم علي التحصيل العلمي. لقد اتضح من كل ما سبق أن الفقراء هم الضحية في هذا العيد والأعياد التي سبقتها. وأن أهداف ثورة 25 يناير لم تتحقق بعد في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. ولذلك قبل أن يفكر البعض في منح الصدقات للفقراء بقطعة لحوم لمرة في العام، عليهم أن يقضوا على الفقر بإعادة توزيع الثروة وتوفير الخدمات والمرافق العامة للجميع، لكي يستطيع الفقراء أن يشعروا بحلاوة العيد.