قلّبتُ الأمر على جوانبه كافة، فلم أجد مبررًا مستساغًا، لإصرار جماعة الإخوان المسلمين على استخدام شعار (الإسلام هو الحل)، وأنا أدرك بطبيعة الحال ما تنطوي عليه هذه الكلمات الثلاث من معانٍ عظيمة، لكنني أبدًا لا أظنها صالحة كشعار انتخابات، يتنافس فيها المتنافسون على توفير خبز للجوعى، ودواء للمرضى، وكساء للعرايا. ما يصل من أنباء حتى الآن يشير إلى عزم الجماعة، ممثلةً في حزبها الحرية والعدالة، استخدام الشعار، فضلاً عن شعار (نحمل الخير لمصر) الذي يرفعه التحالف الديمقراطي برمته في قائمته الانتخابية. والذي يصور المعركة على أنها قانونية محضة مخطئ يجانبه الصواب، فالحديث عن دستورية الشعار أمر شبه محسوم، بحكم محكمة القضاء الإداري، الصادر عام 2005 بجواز استخدامه لعدم تعارضه مع الدستور. لكن مَنْ قال إن القانون سيد الموقف دائمًا؟ ألم ندرك أن القانون لم يعاقب ولن يعاقب أحدًا من الذين نافقوا مبارك من كتاب وإعلاميين وصحفيين رغم جرائمهم التي - إن دققنا فيها - وجدناها أشد خطرًا وأعظم جرمًا من جرائم الديكتاتور نفسه؟! فنفاقهم المتصل لسنوات هو الذي جعل منه، متغطرسًا متكبرًا، إلهًا لا يُسأل عما يفعل، يا سادة: كم من مخالفات وجرائم قد لا يعاقب عليها القانون! لذا ما يجب أن ينطوي عليه الحديث هو المسؤولية الأدبية والأخلاقية لمن يريدون استخدام هذا الشعار أمام مجتمعهم وأمتهم ووطنهم. ولتفسير ذلك أقول، التف الناس حول الشعار منذ استخدامه في الثمانينيات تعاطفًا مع رافعيه الذين ظُلموا واضُطهدوا وأوذوا، لا لشيء إلا لتصنيفهم على أنهم (إسلاميون)، حين تحولت الكلمة التي تهفو إليها قلوب المصريين وعقولهم، إلى تهمة تغيب صاحبها خلف الأسوار وفي غياهب السجون. وحتى في وقت الدعة والسكون، كان التعاطف مع الشعار - في جزء كبير منه - نكاية في سلطة غاشمة ظالمة، لم تترك للناس حرية الكلام أو الحركة أو المعارضة، فجاء التعاطف وفق قاعدة (عدو عدوي صديقي).. لكن هذا العصر ولّى، والزمن تغيّر، بفعل الثورة المجيدة، حتى جاء اليوم الذي نشاهد فيه أشد الناس شططًا في فهم الإسلام، ضيوفًا على شاشات التلفزة، يحللون، ويقولون ما يشاؤون، ولا ينبغي لأحد منا أن تكون لديه غضاضة في ذلك، إن كنا مؤمنين حقًا بمعنى الحرية. أقول إن جزءًا كبيرًا من أسباب التعاطف انتفت، لا سيما بعد أن حلت أطياف إسلامية أخرى في ساحة المعركة الانتخابية، منهم السلفيون والوسطيون والصوفيون، وغير ذلك، ولا يخفى على أحد أن لكل فئة من هؤلاء رؤيتها في فهم الإسلام وسلم الأولويات في طريق التطبيق، وهذا وحده كفيل بألا يجعل الشعار حكرًا على طرف دون آخر.. وحين ترفض أحزاب الوسط والنور والأصالة والنهضة وغيرها وهي - على حداثة عهدها - استخدام أو رفع أي شعارات دينية، أو استغلال دور العبادة في المنافسة، فهي بذلك تجعل حزب الحرية والعدالة (الثمانيني)، في موقف لا يُحسد عليه. وإن كان هذا موقف إسلاميي الداخل، فإن موقف إسلاميي الخارج أروع مثلاً، إذ ما ما سمعنا عن ذلك في التنمية والعدالة التركي أو في النهضة التونسي، والأول أثبت تميزًا واستنارة، قلّ نظيرها. وبعيدًا عن التيار الإسلامي بتشكيلته المتنوعة، فإن استخدام الشعار، لا شك يلحق ضررًا بالتيارات الليبرالية واليسارية والقومية، ويخل بمبدأ تكافؤ الفرص، نظرًا للتعاطف الشديد الذى يلقاه الدين بين جموع الناس، رغم أن العقلاء المنصفين في هذه التيارات لا يبرحون يؤكدون إقرار المادة الثانية من الدستور. وإذا ما أدركنا أيضًا أن لب المعركة الانتخابية، ينصب - في واقع الحال - على كثير من أمور الدنيا، فالذين قاموا بالثورة، والذين تعاطفوا معها، والذين لم يتعاطفوا معها، والذين ينتظرون لحظة للتعاطف معها، جميعهم متشوق لمصر حديثة في أسلوب إدارتها، عادلة في توزيع خيراتها، نظيفة في شوارعها، محترمة لإنسانية مواطنيها، متفتحة على تجارب أقرانها، ومن يستطع تحقيق ذلك، واقعًا لا شعارًا، وفعلاً لا قولاً، وحقيقةً لا خيالاً، هو الذي تستحقه مصر المسكينة المحرومة المنهوبة منذ عقود. لكل هذا أقول (إن معركة الشعار، معركة أدبية لا قانونية).