شهدت منظمة اليونسكو في باريس آخر أيام شهر أكتوبر يوما استثنائيا، سواء على مستوى المنظمة أو فيما يخص فلسطين التي حققت انتصارا معنويا كبيرا بامكانه أن يؤهلها بثقة لاختراق كافة منظمات الأممالمتحدة بما فيها الجمعية العمومية نفسها، مما يجعل انضمام فلسطين إلى اليونسكو يمثل خطوة أولية وهامة على طريق البداية سوف تتبعه خطوات أخرى لابد من اتخاذها والسعي نحوها بشكل يؤكد على الحق الفلسطيني. ومن المفارقات أن الفلسطينيين قد تمكنوا من الحصول على عضوية كاملة في منظمة اليونسكو بأغلبية الأعضاء 107 مقابل 14 دولة رافضة في مقدمتها أمريكا وكندا وألمانيا و52 دولة ممتنعة عن التصويت، وسط مفاجآت كثيرة لم تكن محسوبة على الإطلاق. وفي مقدمة هذه المفاجآت كان الموقف الفرنسي بالتصويت لصالح الطلب الفلسطيني التي ظلت إلى ما قبل التصويت بساعتين تؤكد على امتناعها عنه وأنها لن تتراجع، ولكن يبدو أن تباين مواقف دول الاتحاد الأوروبي حتى اللحظات الأخيرة والقياس الأولي لعدد الدول المؤيدة هو ما حسم موقف فرنسا الكثير من دول الاتحاد لصالح الطلب الفلسطيني، ومما لاشك فيه أن تصويت فرنسا له ثقله خصوصا بالنسبة للكثير من الدول الفرانكفونية التي يهمها الموقف الفرنسي. لقد فاجأت فرنسا الجميع للدرجة التي جعلت القاعة تضح بالتصفيق الحاد حينما أعلن عن تصويتها لصالح الطلب الفلسطيني والذي يعني في الوقت ذاته اعترافا بالحق الفلسطيني. أما فيما يخص انسحاب الولاياتالمتحدةالأمريكية لوحت بالانسحاب من المنظمة في حال التصويت على الطلب الفلسطيني يالايجاب، عاد سفيرها ليؤكد بعد التصويت على عدم الانسحاب من المنظمة ولكنه في الوقت ذاته لم ينف ولم يؤكد مواصلة الدعم المادي للمنظمة مكتفيا بالقول أنه لابد من الرجوع إلى الكونجرس الأمريكي في مثل هذا القرار. والحقيقة أن الموقف الأمريكي قد جعل عملية التصويت على انضمام "فلسطين" لمنظمة اليونسكو تتم في مناخ شديد التعقيد والتوتر خصوصا بعدما جددت واشنطن رفضها انضمام فلسطين قبل إجراء عملية التصويت مباشرة واعتبرته سابق لأوانه بل وأنه سوف يأتي بنتائج عكسية، ومما لاشك فيه أن الموقف الاسرائيلي هو متسق تماما مع الولاياتالمتحدة خصوصا فيما يخص قطع الدعم عن اليونسكو لمجرد أنها طرحت المسألة للتصويت. ورأى المبعوث الاسرائيلي أن الدولة العبرية ستنضم إلى الولاياتالمتحدة في سحب تمويلها للمنظمة التابعة للأمم المتحدة خصوصا وأن الأخيرة دعمها يمثل ما يقرب من 28% من ميزانية المنظمة. وبشكل عام وتتخوف إسرائيل كثيرا من أن سعي الفلسطينيين ايضا للانضمام للجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك قد يدعمه هذا القرار (من جانب اليونيسكو) بل وسوف ينسحب على العديد من الهيئات المتخصصة الاخرى التابعة للامم المتحدة وعلى نيويورك (الجمعية العامة). من المفاجآت التي حملتها عملية التصويت على طلب انضمام فلسطين إلى منظمة اليونسكو هو حجم الازدواجية التي تحلت بها الدول الرافضة لهذا الانضمام، حيث تغنى معظمهم في كلماتهم الافتتاحية أثناء الأيام الأولى للمؤتمر العام لليونسكو والذي بدأ في الخامس والعشرين من أكتوبر، بالربيع العربي وبدعهم للديمقراطية وحقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها، هؤلاء أنفسهم هم من صوتوا ضد فلسطين وكأنهم بذلك يعلنون عن رغبتهم في أن يعيش شعبها في خريف دائم لا يشهد الربيع أبدا. وفي النهاية نحن لا نملك سوى الابتهاج لهذا النصر الفلسطيني 107 وعلى التأكيد أن تصويت غالبية الدول الأعضاء في اليونسكو لصالح انضمام فلسطين مقابل رفض 14 دولة إنما يدل بوضوح على قناعة هذه الدول بمشروعية الطلب الفلسطيني وعلى أن الحق الفلسطيني هو متأخر وأن الوقت قد حان للتأكيد على مشروعيته. ونتمنى أن تغدو خطوة الانضمام إلى اليونسكو التي هي أول وكالات الأممالمتحدة التي سعى الفلسطينيون للانضمام إليها كعضو كامل منذ أن تقدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بطلب للعضوية الكاملة في الأممالمتحدة يوم 23 سبتمبر الماضي، ليست إلا بداية طريق شاق يمكن للفلسطينيين أن ينتصروا في نهايته بالارادة والعمل الجاد والقدرة على الحشد لصالح قضيتهم العادلة.