حسناً اجتاز أصدقاء البوعزيزي وأهله ومحبوه الاختبار الأول للديمقراطية، بعد ثورة الياسمين، التي أطاحت بابن علي وزمرته الفاسدة، وألهمت شعوباً عربية أخرى معاني الثورة والإرادة واستجابة القدر. انتخابات أشاد بها مركز كارتر، الذي قال إنها كانت حرة ونزيهة، وبعثة الاتحاد الأوروبي، التي قالت إن مسارها كان إيجابيا، والمراقبون الدوليون، الذين أشاروا إلى جوّ الإيجابية والمرح، الذي سيطر على مراكز الاقتراع، وأخرون -لا يتسع المقام لذكرهم- يقولون ما مفاده إن الديمقراطية كانت الفائز الأول. النتائج الأولية أشارت إلى تقدم ملموس لحزب النهضة، فرح الغنوشي وأقرانه بهذا الفوز -بلاشك- وهذا حقهم بعد سنوات من الاضطهاد والتنكيل والتعذيب في سجون ابن علي، وبورقيبة الذي سعى لفرض العلمانية جهارا نهارا في تونس الخضراء. وعلى الجانب الآخر، كفر الذين قالوا بالديمقراطية، وانقلبوا عليها، وتنكروا لها، وكادوا يقتلونها في وضح النهار، وأعني هنا فريق العلمانيين الذي فاجأته الصدمة، فاعتصم العشرات منهم أمام مقر المركز الإعلامي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالعاصمة، احتجاجا على ما سموه "تزويرا"، واستغلال الدين، كما أعلن الحزب الديمقراطي التقدمي وهو حزب علماني رفضه المشاركة في الحكومة التي تنتوي النهضة تشكيلها. وكان الأسوأ هي الكلمات التي تفوهت بها (مفيدة العباسي) -الصحفية بالتليفزيون التونسي، وأحد الوجوه البارزة أيام المخلوع ابن علي- التي اتهمت -وهي تجهش بالبكاء- الشعب التونسي العظيم بالجهل وفقدان الحس النقدي وعدم القدرة على التحليل. وإذ ينبغي أن نقول للنهضويين، عليكم الحذر مع الفرح، فأمامكم أمانة ثقيلة، ومهمة عسيرة في بناء دولة تركها ابن علي خاوية، منهوبة، مريضة، فقيرة، مكسورة الإرادة، علينا أيضا أن نقول للعلمانيين، راجعوا أنفسكم، فنكران الديمقراطية التي تغنيتم بها حينا من الدهر دليل على عجزكم، واتهامكم الشعب بالجهل لن يزيده إلا إصرارا على إزاحتكم، ورفضكم المشاركة في بناء إرادته لن يزيده إلا عزما على تحقيقها بدونكم، فتكونوا من بعده أنتم الخاسرين. وأخيرا من قال إن الحياة تتوقف عند لحظة، أو موقف، أو شخص، إذا أحسن النهضة فأهلا، وإن لم يحسنوا جاء دوركم، وإذا كنتم أنتم نخبة هذا الشعب، فعليكم أن تكونوا ممثلين له ولإرادته، لا رافضين له، كافرين به، منتقصين من عقله.. وإلا فحينها تكونوا ممثلين عن أنفسكم فقط، لا عن شعب عظيم أنجز وأعجز وألهم.