الدين كما تعرفه القواميس هو نظام اعتقاد يتسم بالعمومية أو مجموع الإجابات التى تفسر علاقة البشر بالكون أما الأيدلوجيا فهى عقيدة سياسية أو فكرية تقوم بدور الوسيط بين نظم الاعتقاد الاجتماعية الكبرى والجماعات العرقية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية لتبسيطها وقد تشوه الواقع أو تخطئه لكنه تشويه يعكس حقائق معينة ويحجب أخرى لتوصيل رسالة معينة للمؤمنين بها وعموما الأيدلوجيا فى آخر تعاريف علم الاجتماع السياسى ليست أكثر من تبلور نظرى لوعى زائف!!.. ربما هذه مقدمة نظرية لمحاولة فهم العلاقة بين نظم الاعتقاد البشرية الكبرى وهى الأديان ومنها ونخص هنا الإسلام كدين وبين الأيدلوجيات الوسيطة التى ابثقفت منه أو تقمصته وهى حكاية تاريخية بدأت بمجرد انتقال حامل الوحى وهو الرسول فى سقيفة بنى ساعده بالخلاف ذو الطبيعة السياسية ولم ينته حتى اليوم فمن أيدلوجيات جماعات بشرية إلى فرق إلى دول.. بدء الفراق الكبير بين أيدلوجيتين متنافستين بطول التاريخ الإسلامى سنة وشيعة وتحمل كل أيدلوجيا ملامح كاملة لنظام اعتقاد خاص إلى افتراق هذه الأيدلوجيا الرئيسية إلى أيدلوجيات فرعية داخل السنة وهى التى حكمت إلى أيدلوجيات فكرية وسياسية لدول الدولة الأموية التى أسست للأيدلوجيا السنية والدولة الشيعية -العباسية التى اتخذت مسارا خاصا حتى أننا نستطيع أن نرصد عبر مسار تاريخ الدين الإسلامى مئات من الأيدلوجيات الرئيسية هذا طبعا غير الأيدلوجيات الفرعية وأطلق عليها عبر التاريخ الملل والنحل والفرق تتوسط كلها عبر نظام الاعتقاد الدينى الأصيل النقى الذى تمثل فى القرآن. وربما أسهم عدم الضبط المنهجى لمصادر السنة النبوية إلى افتراق النظام الاعتقادى للإسلام هذا الانقسام المتشظى بلا نهاية وحتى بلوغنا مرحلة التاريخ المعاصر لإزالت هذه التشظيات منهجًا أصيلاً يحول دون رجوع الدين بوصفه نظام اعتقاد يتسم بالعمومية إلى مرابطة بعد أن أفلحت الأيدلوجيات الموجهة إلى عرق أو جماعة بشرية محدده فى تحويله الى انظمة اعتقاد متعدده ولعل الإسلام كدين ليس منفردا وحده بهذه الظاهرة شأنه شأن أى فكرة كبرى أو دين آخر ولكن أفلح البشر خلال القرن المنصرم فى تحويل مسار هذا الانقسام المتشظى خارج حلبة التاريخ منذ خرجت الكنيسة والحكم بالحق الإلهى من حلبات الحكم وعادت إلى حلبة دور العبادة وكادت تضمحل سلطتها على الضمير العام وتبقى كشأنها أمورًا مرتبطة بالضمير الفردى إلا عندنا فى المنطقة العربية لظروف التعثر التاريخى فى اللحاق بالحداثه ظلت القضية حية ويبدو أن المنطقة مرشحة لصراعا دمويا تاريخيا يشبه ذاك الصراع الذى شهدته أوروبا قبل عصر النهضه حتى يعود رجال الدين إلى حظائرهم.. وتشهد الآن الأيدلوجيات الدينية الإسلامية ازدهارا زائفا لخلط أوراق الصراع الاجتماعى وتعثر عالمى للأيدلوجيات الحديثة كالرأسمالية والاشتراكية تلك الأيدلوجيات ذات الطبيعة الإنسانية العامة بل ربما تميل الأيدلوجيه الإسلامية صراحة لتبنى الأيدلوجيه الإنسانية العامة المنتصرة مرحليا وهى الليبرالية -الرأسمالية- وهى كانت قد سبقت وتبنت جوهريا فى منطقتنا فكرة الأيدلوجيا الاشتراكية حتى أن سيد قطب رائد الإسلام الراديكالى له كتاب شهير يدعى أن الإسلام أبو الاشتراكية ولكن حازم أبو إسماعيل السلفى أو بديع أو أى من أساطين الأيدلوجيا الإسلامية المعاصرة لايخجل أن يصرح الآن بليبراليته يعنى تبنيه من حيث الجوهر أيدلوجية إنسانية عامة هى الإطار الموضوعى وليس الزائف لأيدلوجيته الزائفة التى تتوسط بين الناس وبين نظام اعتقاد تاريخى لم يمتلك القدرة على الإدعاء بامتلاكه المطلق والنسبى فى ذات اللحظه كبرنامج إلا من حيث القدرة والحكمة الإلهية الواسعة المسماه فى الأديان بالناموس وليس البرنامج وربما أيضا يشكل فشل أيدلوجيات الماضى تطبيقيا أن كل دويلات الأيدلوجيا الإسلامية المعاصرة تفشل فشلا ذريعا فى مواجهة المتغيرات الحضارية اللهم تلك الدويلات التى وعت الفارق الزمنى والحضارى والإنسانى بين دويلات السماء ودويلات الأرض مثل تركيا التى قصرت إدعاءاتها على كونها دويلة محافظة فى الأخلاق والثقافة علمانية فى نظام الحكم والدولة وربما باتت تدرك ذلك بعض اتباع الأيدلوجيات الإسلامية فى الدول التى أصابتها الحداثه فى الصميم مثل حركة النهضة التونسية التى تقدم خطابا سياسيا أقرب إلى المنطق والعقلانية وهو مجرد خطاب محافظ تقدمه الأيدلوجيا الإسلامية الناجحه فى الوجود الآن أما مصر فيلاقى سؤال الحداثه والهوية فيها أسئله أكثر خطورة تتعلق بالردة الفعلية إلى نموذج الدولة الدينية فى السلوك والملابس والمظاهر ناهيك عن الأسئلة البرامجية الحقيقية حول الاقتصاد والسياسة والسبيكة الحضارية التاريخية الخاصة والنموذج الثقافى والحضارى المصنوع تاريخيا عبر آلاف السنين يهدده الآن ماضوية العودة بنظام القص واللزق إلى نموذج اقتصادى واجتماعى بسيط هى دولة المدينة وسط تعقد دولى وعالمى خطير وتعقد محلى مما يهيأ البلاد لصراع مجتمعى وبشرى خطير وتهدد فيه الأيدلوجيا الإسلامية البسيطة المجتمع التاريخى بالمزيد من التردى وربما الفوضى والانفجار وإعادة إنتاج أنظمة القمع ولكن هذه المرة باسم الله القدير ونظرية الحكم والحق الإإلهى من جديد !!!!!!!!