في غمرة الاحتفالات بما حققه الشعب الليبي من انتصارات أذهلت الأصدقاء والأعداء على حد سواء، أعلن السيد المستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي المؤقت من بنغازي تحرير ليبيا. إعلان أنهى مرحلة عصيبة ومريرة، ولكنها مرحلة تلاحم فيها أبناء الشعب الليبي كبيرهم وصغيرهم نسائهم ورجالهم، تسابقوا جميعا على ميادين الوغى ليقدمون أرواحهم وأطرافهم ويروون بدمائهم الزكية تراب ليبيا الحبيبة، وهم يرجون هذا الإعلان بغية رؤية ليبيا محررة، ليبيا الجميع وبالجميع، ليبيا وطن يتسع للجميع. جاء الإعلان ليهدي الليبيات ضرائر وينهي مكتسباتهن في بناء واستقرار الأسرة، وينهي الربا في القروض التي لا تتجاوز قيمتها 10000 دينار، جاء ليؤكد أن ليبيا دولة إسلامية وأن الإسلام مصدر التشريع فيها، فهل تحديد شكل الدولة وإطارها العام في حد ذاته من مهام المجلس الوطني الانتقالي المؤقت؟ أم هو شأن عام يهم كل الليبيات والليبيين؟ وهل كانت ليبيا قبل الإعلان دولة علمانية أو دولة مدنية؟ حتى يفاجؤنا المستشار ونحن في غمرة فرحتنا بالتحرير بهذه الهدايا أم هو أمر يدبّر في ليل؟ أم هي بالونات اختبار يطلقها المجلس الوطني الانتقالي المؤقت؟ ظنا منه أن الليبيات والليبيون منشغلون وأن فرحة التحرير أنستهم أهداف الثورة وغاياتها. أقول إن الإعلان عن تحرير الأراضي الليبية حدث عظيم في نفوس الليبيات والليبيين، نطمح من خلاله أن يكون بداية موفقة لمرحلة انتقالية تقود إلى بناء دولة ديمقراطية حديثة.، وأن الشعب الليبي ثار من أجل القضاء على دكتاتورية عاتية، قوامها قبضة الرجل الواحد على مقادير الدولة ومصادرة حق المواطنين في المشاركة في شؤون بلادهم، ومصادرة حق مواطنتهم في وطنهم، وما ترتب على هذه المصادرة من حرمانهم من الكرامة البشرية وما يترتب على هذا الحق من حقوق تكميلية، والليبيات والليبيون لن يعودوا للقيود قد تحررنا وحررنا الوطن، فإعلان التحرير حدث تاريخي في نفوس كل أفراد الشعب الليبي، حدث يجب أن يقود إلى: 1. استكمال بناء المجلس الوطني الانتقالي المؤقت، حيث لم يعد مبررا هذا النقص بعد الإعلان عن تحرير ليبيا،والإسراع في إجراء مشاورات عاجلة مع كل الفاعلين السياسيين، ومكونات المجتمع المدني، خاصة تلك الفئات غير الممثلة في المجلس ضمانا لتوازنه السياسي. 2. على المجلس الوطني الانتقالي المؤقت الالتزام بالحياد وعدم تبني وجهة نظر أي تيار من التيارات السياسية النشطة، وفرضها من خلال تمكنه من السيطرة على الخطاب الإعلامي، كالدعوة إلى الدولة الدينية من خلال الإعلان عن التحرير. 3. معالجة ما اعترى الإعلان الدستوري من عيوب، خاصة فيما يتعلق بتحديد شكل الدولة وإطارها العام، لأن هذا الشكل والإطار العام يُبنى عليه الدستور فلا يجوز بأي حال ترك هذا الشأن العام والهام لمجلس أو هيئة تحدده فهذا شأن يحدده عموم الشعب من خلال صناديق الاقتراع. 4. إن تحديد شكل الدولة وإطارها السياسي شأن يهم كل الليبيات والليبيين ولا يحق للمجلس الوطني الانتقالي المؤقت الانفراد بممارسته تحت أي ظرف من الظروف، وعليه الالتزام بالإعلان الدستوري وخارطة الطريق. 5. إننا نرفض رفضا قاطعا اختراق المفاهيم والقيم الدستورية المعترف بها دوليا، وأن الالتزام بالإعلان الدستوري وخارطة الطريق واجب على جميع المؤسسات بما في ذلك المجلس الوطني الانتقالي المؤقت ومكتبه التنفيذي أو الحكومة المؤقتة. 6. إن تحديد شكل الدولة وإطارها العام هو شأن يقرره الليبيات والليبيون عن طريق صناديق الاقتراع، ونحن ندعو إلى إجراء استفتاء عام يختار من خلاله الشعب شكل الدولة وإطارها العام قبل الشروع في صياغة الدستور الذي سيكون معبرا عنها. 7. نعلن وبكل وضوح أن الاعلان عن التحرير يؤذن ببدء العمل السلمي المنظم، وعلى المجتمع المدني من خلال الأحزاب والأندية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني أن يقود الحراك السياسي المؤدي لبناء دولة كل الليبيات والليبيين دولة الحرية والقانون. 8. ندعو المجتمع المدني إلى المسارعة في بناء مكوناته، بعيدا عن القبلية والطائفية والمذهبية، لأن الديمقراطية الحديثة تتطلب مجتمعا مدنيا منظما وقويا، وأن المجتمع المدني قادر على حماية الثورة وأهدافها. 9. ندعوا إلى بناء جمهورية برلمانية ديمقراطية، قوامها السلم الاجتماعي، والتداول السلمي للسلطة والتعددية الحزبية وحرية المشاركة السياسية والفصل بين السلطات. إن هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها إلا بالعمل الجماعي المنظم، وأن المجتمع المدني لا تعوزه القدرة والكفاءة والاستعداد للقيام بها من خلال الحوار السلمي البناء المؤسس على حرية الرأي والتعبير والتفاعل مع جميع الفاعلين الاجتماعيين وخلق قنوات تواصل مع جميع مكونات المجتمع المدني وأفراده دون إقصاء أو تهميش لأحد. إن الإرادة القوية التي أدت إلى تحقيق هذه الانتصارات قد أسقطت نظاما أمنيا ودكتاتورية عاتية، وإنها تالله لقادرة على بناء دولة ديمقراطية حديثة كما تريد، وقادرة على رفض الوصاية والهيمنة، فحذاري لكل من تسوّل له نفسه الاستهانة بها، عاشت ليبيا حرة.. للجميع وبالجميع.. وطنا يسع الجميع. عن صحيفة "الوطن" الليبية