حزب مسيحي معزول يصارع لاقتسام مناصب الدولة مع المسلمين ظهرت في الآونة الأخيرة دعاوي متفرقة، من قبل الأقباط في مصر؛ تطالب باتباع سياسة تقسيم المناصب الرئيسية في الدولة، وأهمها منصبي رئيس الجمهورية ونائبه، بحيث يكون المنصب الأول للمسلمين، بينما يُخصص المنصب الثاني للمسيحيين. لكن هذا الاقتراح لم يرق لدى العديد من المفكرين المصريين ومنهم أقباط، مشيرين إلى النموذج اللبناني والذي لا يؤدي إلا إلى دولة طائفية تقوم على نظام المحاصصة التوافقية، لكنها في أصلها لا علاقة لها بمدنية الدولة، وإن كانت تُكرس أكثر لفكرة الطائفية دون الاهتمام بمسألة الكفاءة التي تعمل على تطور الدولة سياسياً واقتصادياً. المفكر القبطي، كمال جبرائيل، يؤكد أن هذه الدعاوي لا تمثل جموع الأقباط في مصر، وأنه من الواضح تماماً أنها خرجت من أفراد أو جهات تعاني من قصور في الإدراك السياسي، فنيل المناصب وفقاً لجبرائيل:" ليس الحل ولكنه يعني استمرار المشكلة الطائفية التي ستؤدي في النهاية إلى عواقب وخيمة". نفس الكلام تؤكده دكتور كريمة الحفناوي، عضو الجمعية الوطنية للتغيير وحركة كفاية، والناشطة في حقوق الأقباط في مصر؛ حيث تصف هذه الدعاوي بأنها غير مسئولة، وإن كانت تبرر لها بقولها: " ألتمس لهم العذر فهي نتاج كبت سياسي عانى منه الأقباط، استمر طوال العقود الماضية، فهم يرغبون أن لا يتم التعامل معهم باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية". إن كان كل من كمال جبرائيل ودكتورة كريمة الحفناوي، يرفضان مبدأ المحاصصة في المناصب، ويريان أنها وسيلة لا تؤدي إلا إلى تعميق الطائفية في مصر، إلا أنه على الجانب الآخر يؤكد مايكل منير مؤسس حزب الحياة القبطي؛ أن المسيحيين هم الطرف الوحيد الذي لم يستفد من الثورة، ودليله على ذلك استمرار التعديات على الكنائس، والتي كان آخرها هدم كنيسة الماريناب في أسوان، لذلك فهو مستمر في جمع التوكيلات لحزبه، ولن يتراجع حتى يقدمه للجنة شئون الأحزاب، فحسب كلامه: " لا بديل عن النضال السياسي لانتزاع حقوق الأقباط في وطنهم. لكن عند الإشارة إلى الدولة المدنية، وأن النضال السياسي من المفترض أن يكون باتجاهها، أكد منير أن الأقباط يجب أن يكونوا عنصراً قوياً في أي نظام قائم، والجميع حسب كلام مايكل؛ يعرف أننا نتجه نحو نظام بعيد كل البعد عن الدولة المدنية، ويقول: "لذلك يجب أن نناضل حتى لا نندم في الغد". وينهي بقوله:" أنا أؤيد بشدة أن يكون نائب رئيس الجمهورية مسيحي توافقي". مع ازدواجية الجمع بين فكرة المحاصصة الطائفية والتكريس لإقامة نظام الدولة المدنية التي لا تفرق بين المواطنين على أساس دينهم أو عرقهم، يؤكد كمال جبرائيل؛ أن النظام الأمثل في مصر هو الدولة العلمانية، التي لا تعرف الفرق بين رجل وامرأة أو مسلم ومسيحي، فالجميع يقف على أرض واحدة، ولكن حسب تعبير جبرائيل، نحن نقود مؤامرة على أنفسنا بالجهالة والطائفية والتعصب، منوهاً إلى أن انشاء حزب مسيحي خطأ كبير، ويقول: " كلام فارغ سيجعلنا ندور في نفس الدائرة المغلقة، ولذلك أشفق على مؤسس الحزب مايكل منير". لكن دكتورة كريمة الحفناوي، تلفت النظر نحو أهمية تحسين الوضع السياسي في الشارع المصري، والعمل على ترجيح كفة الدولة المدنية على حساب دعاوي مدنية الدولة، لأن ذلك هو الضامن الوحيد لسلامة الوطن. تقول الحفناوي: الأقباط يحتاجون إلى الشعور بالثقة في أنهم بإمكانهم الترشح لكل المناصب، خاصة أن مطلباً من مطالب الثورة، أن تكون بالانتخاب وهذا ما سيمنع التمييز، بحيث تكون الكفاءة هي المعيار وليس الدين. وتلخص دكتورة الحفناوي للحالة بقولها: إن كان الدافع وراء تلك المطالب شرعي لأنها ستنقل الأقباط من خانة المواطنة الشرفية إلى خانة المواطن الحقيقي الفاعل، فإنني أتمنى أن تتحول مصر إلى دولة مدنية تُعلي من قيم المواطنة وتجعل القانون هو الفاصل بين معاملات المصريين وبعضهم. أستاذ العلوم السياسية الدكتور حسن نافعة، يرى أن استمرار التعامل مع الأقباط بالطريقة نفسها التي كان يتبناها النظام السابق سيؤدي الي كارثة حقيقية تفوق أحداث ماسبيرو، فالاقباط لديهم إحساس عميق بالغبن والتمييز، خاصة مع ازدياد حدة الخطاب الإسلامي بعد الثورة وهو ما دفع شخصيات قبطية للضغط من أجل نيل منصب يوفر حقوق الأقباط وهذا حق يراد به باطل، فتقسيم مناصب الدولة بين الطوائف ليس الحل، ولكن الحل هوالاستماع إلي مشاكل الأقباط وإتاحة الفرصة لهم دون تمييز في المنافسة علي مناصب الدولة. الباحث السياسي المتخصص في الجماعات الإسلامية، ضياء رشوان، أكد أنه يتابع هذة الدعاية لمنصب النائب، والتي توضح في رأيه مدي سذاجة أصحابها. يقول:" نحن بعد تسع أشهر علي قيام الثورة، لم نقم حتي الآن بانتخابات برلمانية حتي نشهد تحركات لمنصب مكمل كنائب الرئيس، خاصة وإن كانت هذة التحركات طائفية تتناقض في الأساس مع مطالب الثورة التي نادت بالمشاركة الحرة علي أساس الكفاءة. وطالب"رشوان"الأقباط بضرورة الوعي بالظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد، والتي لا تحتمل الخطاب الأوحدي الذي لا يعبر عن جموع المصريين، مشددا علي رغبة النخبة المصرية في عدم استخدام أطراف خارجية لأحداث ماسبيرو في استثارة الأقباط. مع ذلك تبقى فكرة المحاصصة الطائفية لانتزاع حق المسيحيين في كعكة المناصب، دعوى ضمن العديد من الدعاوي التي تتزاحم في سوق السياسة المصرية الآن، فمن داع إلى الدولة الدينية ومروج لفضائلها باعتبارها الطريق الوحيد لتطبيق شعائر الله على الأرض، ومن مفضل لشكل الدولة المدنية العلمانية باعتبارها الضامن للعدل بين الأفراد، ومن مؤكد لأن عسكرية الحكم هو صمام الأمان الوحيد أمام انقسام مصر وانتشار الفوضى. الجميع يروج لفكرته ويبقى الشارع هو الضامن الحقيقي الوحيد لقيام أي فكرة.