يرى أستاذ الأنثروبولوجيا البارز محمد حافظ دياب أن الحركة الوطنية المصرية بمختلف فئاتها وبيئاتها أبدعت منظومة متنوعة من مقاومة الاستبداد والاحتلال انطلاقًا من تراكم خبرات أسهم فيها مفكرون وفنانون وعمال وطلاب ومناضلون وأحزاب، وأن الطريق إلى الحرية كان محفوفًا باحتمالات الفشل والتفاف الأعداء، ولكنه يستعرض أيضًا مناورات قوى تحاول إجهاض حركات الاحتجاج باستخدام الدين في الألعاب السياسية. ويقول دياب في كتابه "انتفاضات أم ثورات في تاريخ مصر الحديث" إن "الخبرة المصرية" تعرضت لمحاولات إجهاض واختراق ولكن الجماعة المصرية واصلت "تفعيل نهضتها"، وإن المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي (1756-1825) منح هذه الجماعة هويتها بقوله.. "أهل مصر. البلاد المصرية. الديار المصرية. الأقاليم المصرية" بعد أن كانت مصر جزءًا مما سمي بدولة الخلافة الإسلامية. ويضيف أن رفاعة الطهطاوي بلور الهوية المصرية في وقت لاحق حين أتيح له أن يقود النهضة التعليمية في النصف الأول من القرن التاسع عشر. ويسجل دياب أن الشيخ أحمد الدردير (1715-1786) وكان عالم دين بارزًا نادى في يناير 1786 "لأول مرة في تاريخ مصر الحديث أن تكون مصر للمصريين"، ويخلص المؤلف من ذلك إلى أن النهضة المصرية كانت سابقة على مجيء الحملة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر أو حكم محمد علي 1805. كما يسجل أيضًا أن الجيش منذ عصر محمد علي كان "حجر الزاوية في بناء الدولة والآلية الأساسية للسلطة ومجال الاهتمام السياسي الأول وقاطرة التنمية الاجتماعية." وصدر الكتاب في القاهرة عن دار الشروق في سلسلة (الجانب الآخر.. إعادة قراءة التاريخ المصري) بمقدمة سجلت فيها أستاذة التاريخ الحديث لطيفة محمد سالم أن مصر عرفت أنواعًا من الثورات أخذت أشكالاً متعددة منها التمرد والعصيان والرفض والاحتجاج والانتفاضات، وأن الحركة الوطنية المصرية "شهدت خليطًا من الثورات" منذ الغزو الفرنسي حتى 1977. ويرصد دياب في فصول الكتب فنونًا من مقاومة المصريين للاحتلال والاستبداد، منها تكوين جمعية سرية عام 1876 باسم (مصر الفتاة) وأشرف عليها جمال الدين الأفغاني ورأسها علي الروبي وانضم إليها من العسكريين أحمد عرابي وعلي فهمي، ومن المدنيين عبد الله النديم ويعقوب صنوع. وينوه المؤلف بأعمال أدباء وفنانين ومفكرين مهدوا لحركات الاحتجاج والثورات أو واكبوها مثل خطب وكتابات عبد الله النديم خلال الثورة العرابية وأشعار بديع خيري وأغنيات سيد درويش في ثورة 1919 وكتابات شهدي عطية التي مهدت لانتفاضة 1946 وكتابات محمد مندور قبل ثورة 1952 "ناهينا عن منحوتات (محمود) مختار وأشعار صلاح جاهين وأمل دنقل وأغاني عبد الحليم حافظ التي واكبت ثورة يوليو".