تنقسم السلطات في أي نظام ديمقراطي إلى ثلاث سلطات : تنفيذية وتشريعية وقضائية .. العلاقة بين هذه السلطات يجب أن تكون علاقة تكاملية لا يتعدى أي منهم على الآخر . وبناء عليه فإن الحزب الذي يمسك بزمام السلطة التنفيذية له حق هيكلة السلطة التنفيذية بطريقة تخدم أهدافه التي تم انتخابه عليها . ومن المعلوم أن الرئيس محمد مرسي ( الإخواني ) الآن على قمة السلطة التنفيذية فهل يحق له إخونة الدولة كما هو حق لأوباما "دمقرطة" أمريكا ؟ لنحدد أولا ما المقصود بإخونة الدولة ... معنى الإخونة واضح ومعروف ، وهو تمكين أعضاء الإخوان أو المقربين منهم من المناصب والوظائف العليا أو السفلى في الدولة .. أما الإشكالية هنا فتكمن في معنى كلمة "الدولة" !!! لو كان المقصود بإخونة الدولة هو إخونة سلطات الدولة الثلاث ؛ فسوف ترى أعضاء الإخوان يتبارون في نفي هذه الشبهة ويقسمون لك بأغلظ الأيمان أنهم يؤمنون باستقلال السلطتين التشريعية والقضائية عن السلطة التنفيذية التي هم على رأسها الآن .. لكن أيمانهم ووعودهم شيء وأفعالهم شيء آخر ، فقد يبدو الدستور والقانون غاية في الاستقلال لكنه في جوهره تتخلله نصوص غاية في البساطة تكون هي المدخل الرئيسي للتعدي على التشريع والقضاء .. وما يلي بعضٌ من الأمثلة على ذلك : - تعيين الرئيس للنائب العام بقرار ديكتاتوري منفرد هو تعدي واضح على السلطة القضائية سوف يظل يثير الشبهات في هذا المنصب لأربع سنوات قادمة ، ويضرب عرض الحائط بفكرة استقلال القضاء ، لأنه لو قُدّر وفسدت حكومة الرئيس فسوف تذهب ملفات الفساد للنائب العام الذي عينه الرئيس صاحب الفضل في تعيينه ، وبالتالي لن يكون من مصلحة الرئيس ظهور حكومته فاسدة ، وسيتم التنسيق بينه وبين النائب العام لتمييع القضايا قبل أن تصل للمحاكم . - تبعية جزء أصيل من القضاء - مصلحة الطب الشرعي - لوزراة العدل التي هي جزء من السلطة التنفيذية ، وقد لمسنا خطورة ذلك في تشريح جثة الناشط "محمد الجندي" واللغط الذي ثار حول تعرضه للتعذيب ، ولو كانت هذه المصلحة مستقلة حقيقة لما شكك أحد في التقرير حتى ولو كان على غير هوى البعض . - تعيين الرئيس ل 10% من أعضاء مجلس الشورى الذي له الحق في – ورفض - التشريع والموافقة على ترشيحات رؤساء الأجهزة الرقابية والصحف القومية ، وذلك يعطي حزب الرئيس ميزة إضافية لم تتوفر للأحزاب الأخرى عن طريق المنافسة الانتخابية . قد يظن القاريء المحايد أن هذه أمورًا شكلية وبسيطة إذا ما قورنت إجمالا بالناتج العام ، لكنها في الحقيقة مدخل خطير لكل الشرور في أي نظام حكم وفقدان الثقة فيه ، لأن الشيطان دوما يكمن في التفاصيل ، ولأنه لا ينبغي أن تترك الأمور في السياسة للنوايا الحسنة ، فالطريق إلى جهنم مفروش بها . أما لو كان المقصود بإخونة الدولة هو إخونة السلطة التنفيذية فلا يتورّع أعضاء الإخوان هذه الأيام أن يعلنوا صراحة أن هذا حقهم ، وطالما أن الشعب اختار الرئيس على قمة السلطة التنفيذية فمن حقه أن يُؤَخْوِنَها .. هذا هو ما أقصده بالحق الذي يراد به باطل ، فلا أحد ينكر على أوباما الديمقراطي "دمقرطة" السلطة التنفيذية في أمريكا ، ولا على فرانسوا هولاند الاشتراكي "أشركة" فرنسا ، ولا على ديفيد كاميرون المحافظ "حفظنة" بريطانيا .. لكن هذه الدول بها ديمقراطيات راسخة منذ عشرات السنين ، كلٌ يعرف ما له وما عليه ، واستقلال السلطات الثلاث في الدولة أمر راسخ رسوخ الأهرامات في الجيزة ، وتداول السلطة بها أمر اعتيادي جدا كل فترة مؤقتة ... أما مصر فحدث فيها الآتي : 1- حدث بها ثورة على كل أشكال الفساد والتي نتجت في الحقيقة عن تعدّي السلطة التنفيذية بقيادة مبارك على سلطات الدولة الأخرى . 2- تولى المجلس العسكري بعد مبارك قيادة البلاد وأثبت فيها على مدى زمني قصير ولاءه للنظام القديم ونقمته على الثورة ، وتحالف فيها مع الإخوان في البداية لتنفيذ اهدافه ثم اصطدم بهم في آخر المطاف . 3- جرت انتخابات رئاسية أفضت في النهاية لوضعنا أمام خيارين أحلاهما مر ، عودة النظام السابق على يد أحمد شفيق ، أو المجيء بالإخوان الذين تشككنا كثيرا في نواياهم ولا نعلم حقيقتها ، على يد محمد مرسي . 4- أدرك الإخوان خطورة الوضع واحتمال نجاح الفريق شفيق . 5- قدم محمد مرسي عشرات الوعود والتطمينات لكل من لديه قلق من ناحية الإخوان ، وعد بإعادة تشكيل التأسيسية ، وحكومة وحدة وطنية ، واحترام القضاء ، وقال صراحة أنه سيتنحى فورا لو خرج من يطالب بإسقاطه ، وأزاح من أذهان الكثيرين فكرة أنه سيكون رئيسا للإخوان المسلمين ، وشدد على كونه رئيسا لكل المصريين ، وأنه لن يكون لحزبه أي أفضلية أو قُرب من مؤسسة الرئاسة على حساب أي حزب آخر . كان نتيجة ذلك أن نجح محمد مرسي بهذه الوعود والعهود ، ولكنه لم يطبق أيا منها ، فرأينا الإخوان قد بدأوا يملأون معظم أرجاء المؤسسات التنفيذية في الدولة ونشرت الصحف أسماءهم ووظاءئفهم بالتفصيل ، وصلت إلى حد تعيين مدرس ابتدائي نائبا لرئيس مدينة دسوق بكفر الشيخ . قد يغفر بعض الناس للرئيس تعيين كل أفراد السلطة التنفيذية من الإخوان المسلمين لو كانوا كفاءات حقيقية شاهدنا منهم تطورا ملموسا على أرض الواقع ، لكن قطعا سيرفض البعض الآخر هذه الإخونة قائلين : إذا كان من حق الرئيس دستوريا إخونة السلطة التنفيذية ، فليس من حقه أن يخلف وعده بعد أن قدم عشرات التطمينات بأنه سيكون رئيسا لكل المصريين .