للمرّة الثانية، نضطر إلى استعارة، أو استثمار، عنوان فيلم ستيفن سودربرغ الرقيق "جنس.. أكاذيب.. وفيديوتيب" (1989). وإذا كنّا في المرّة الأولى قد لجأنا إلى العنوان للحديث عن فضائح الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، فإننا نعود هنا لنستثمره مجدداً، في زمن "اليوتيوب"، للحديث عن صورة الإسلام التي يدفع بها المتأسلمون الوهابيون (إن لم يكن بالإسلام نفسه)، إلى زوايا شديدة الظُّلمة والظلاميّة والتخلُّف. ولغايات معرفيّة بحتة، فإننا ندعو كلّ من يجد في نفسه القدرة على التحمُّل، أن يتابع، بما يملك من طاقة على ذلك، القنوات التي انتشرت كالفطر السّام في الفضاء العربي بفضل تدفُّق أموال النفط الوهابي التخريبي. وفي حال صعوبة أو تعذُر مثل هذا الأمر، فيمكن الرجوع إلى مقاطع الفيديو المتراكمة التي ضاق بها "اليوتيوب" بما رَحُبَ، ل "شيوخ" تلك الفضائيات، الذين أفرطوا في أحاديث مبتذلة تنمّ عن عداء سافر للفن والحريّة والإبداع والعقل.. وتنتهك الأخلاق. ولعل الأمور، إن لم يتمّ مواجهتها بسرعة وحسم، سوف تشهد مدّاً وهابياً كارثياً، بعد أن أصبحت تلك الأحاديث مسنودة بنصوص دستوريّة مقيِّدة للحريّات، في ظلّ الهيمنة الإخوانيّة المتسارعة على السُّلطة في مصر، حيث بلغ حديث العداء للفن والفنانين والمبدعين ورمي المحصنات الغافلات، درجة من الابتذال والانحلال تخجل منه المواقع "البورنوعرافيّة" الفاضحة الأكثر فحشاً! لقد كان الإسلام، منذ بدايات الدعوة المحمديّة، وعلى مدى العصور، عرضة للاجتهاد والحوار، وظلّ يحمل في جوهر مبادئه تقديراً لمن اجتهد وأخطأ، فما بالك بمن اجتهد وأصاب!؟ وقد انشغل الفكر الإسلامي طويلاً بالبحث في المطلق، "المتعالي"، حتّى حلّ "زمن الإخوان" والتمويل الوهابي، ليحرفنا فيه ذوو اللحى والعمائم من شيوخ الفضائيات ورموز الزمان، من "العلوّ" إلى أسئلة "الاعتلاء!". وقد بلغت درجة البؤس في هذا "الفكر" المتدني، أن هبط الخلاف والاختلاف بين "شيخين" من نجوم تلك الفضائيات، إلى المحاججة حول عدد الذين "اعتلوا" هذه الفنانة أو تلك. ومن الواضح أن مثل هؤلاء المتسلِّفين يتضوّرون في أعماقهم أسفاً وحسرة، لأن فرصهم معدومة في تحقيق رغباتهم المكبوتة، مهما استشرسوا في السلطة التي يتوهمون أنها ستحقق لهم استباحة الأنثى، ضمن استباحات أخرى، كما يتمنون. وما يثير الحزن والضحك معاً، أن جماعة "مسيلمة المكبوت"، أعدت لمليونيّة (مليونيّة.. يا للتواضع!) استهدفت فنانة كسبت قضيّة ضد افتراءات "شيخهم"، الذي كذب أيضاً في كونه أزهرياً. ويكفينا أن نعرف عنوان "المليونيّة" لنبكي ونضحك لا حزناً ولا فرحا: "كم واحداً اعتلاكِ"؟! لن نتعرّض لأسماء تلك الرموز المتأسلمة المتسلِّفة، حتّى لا نسهم في الترويج، بشكل أو بآخر، لأشخاصها المريضة وأفكارها الشوهاء. ولكن يكفي أن يتنصّل الأزهر من أكاذيب أحدهم ممن منح نفسه ألقاب "الشيخ"، و"الدكتور" و"الداعية"، واحتلّ شاشة إحدى فضائياتهم ليبثّ على الملأ عداءه للفن والثقافة، ثم يفصح عن رغباته المكبوتة علانية، حين راح يُروِّج كاذباً لصورة فنانة عرّاها بالفوتوشوب، في عمليّة انتهاك رمزيّ تحاول تمويه رغبات مريضة عصيّة على التحقق، ثمّ يتحدّث، كأي مريض "نفسجنسي" تمكّنت منه الحالة، وبسعار لفظي مفضوح، عن فنّانة أخرى نزلت إلى ميدان التحرير وكادت تخرج منه حبلى!. فيديو يسقط في مستنقع آسن فيثير الاشمئزاز ولا يصلح سوى للتحليل السيكولوجي المرضي. فهل يمكننا أن نتخيّل درجة إساءة للإسلام تفوق ذلك؟! للأسف يُمكن، في وقتٍ تجاوز فيه الواقع المؤسي كلّ خيال. فمقدِّم برامج آخر، يتميّز بكثافة الذّقن وبياضه النّاصع وحجم الزبيبة المتعاظم، ابتعد أكثر في الفحش والإيغال في شتم الخصم (على اعتبار أن الله ورسوله، وفق رأيه، شتّامان!)، ما جعله يبيح لنفسه استخدام لغة مُغرقة في انحدارها، حين تنطّع ليُغرق الشّاشة بشتائمه التي استهدفت مذيعاً وطنياً ناجحاً لبرنامج ناجح، حمل لواء التصدي لهؤلاء بأداة السُّخرية. وإذا كان الحياء يمنعنا من إعادة قول ما قيل، ومعه العجز عن ترجمة حديث "الشيخ" إلى لغة مهذّبة، فإننا نكتفي بالإشارة إلى أن كلامه لم يوارب في الإفصاح، دون خجل، عن رغبات مثليّة مكبوتة، لم ينتظر "سماحته" تأجيلها إلى حين يطوف عليه ولدان مخلدون! * * * من المؤكّد أن الإسلام هو أكثر أهميّة من أن نتركه للإخوان المتسلِّفين (بعد أن "تسلّف الإخوان" أنفسهم، بتعبير المفكِّر الإسلامي الراحل حسام تمام) ولمدّعي السلفيّة من المتسلفين الوهابيين. ولذلك، فإن التشويهات التي تلحق الآن بصورة الإسلام، وبالإسلام نفسه، تبقى بحاجة إلى تشكيل جبهة ثقافية عريضة للدفاع عن تلك الصورة، وعن صحيح الدين الإسلامي، الذي يشهد عمليات تشويه ممنهج وغير مسبوق على أيدي من يدّعون حمايته.. جبهة تضم قطاعاً عريضاً من المفكرين الإسلاميين المتنورين، والعلمانيين، والعقلانيين، وينخرط فيها المفكرون التنويريون من المسيحيين العرب، مذكِّرين في هذا المقام الأخير بتلك العبارة التي أطلقها رجل الدين المسيحي التنويري المطران جورج خضر: "لسنا كلنا مسلمين ولكننا كلنا إسلاميون، بمعنى أن هناك حضارة واضحة جداً هي الحضارة العربيّّة - الإسلاميّة ونحن كلنا ننتمي إليها". فلندافع جميعاً عن ثقافتنا وحضارتنا، وعن دين يتعرّض للسرقة والاحتكار.. للتبديد والتشويه، ويتحوّل في أيدي عبدة السُّلطة، إلى أداة للتكفير والتمييز.. والقتل! ************************************** (نقلا عن اليام الفلسطينية)