لأننى من هواة المقارنة بين الاسلام والمسلمين فى الغرب وعندنا فى مصر فقد استوقفتنى العديد من المشاهد الجديرة بالتأمل حول طريقة استقبال شهر رمضان فى بعض الدول الغربية واستقباله فى مصر، فقد استبقت ألمانيا حلول الشهر الكريم باصدار قرار يقضى بإعفاء أصحاب الأسواق والمطاعم الاسلامية من دفع الضرائب خلال شهر رمضان لحثهم على تخفيض أسعار المواد الغذائية خلال الشهر الكريم، وفى كندا عرض مارك هولاند الوزير في الحكومة الكندية تجربته عن صوم رمضان العام الماضى أمام البرلمان الكندى وتكرارها هذا العام وذلك بهدف دعم مبادرة "العطاء 30" التى تقوم على توفير النقود التي يصرفها كل واحد طيلة هذا الشهر في وجبات الغداء والفطور، ومنحها للمحتاجين، ورغم أنه غير مسلم إلا أنه توصل للمغزى الحقيقى لشهر رمضان، وفى ولاية كاليفورنيا الأمريكية استطاع القائمون على المركز الاسلامى بمدينة سانتا كلارا إيجاد حل لمشكلة زيادة أعداد المصلين من النساء اللاتى يصطحبن أطفالهن لصلاة التراويح ويتسببن فى التشويش على باقى المصلين حيث تم تخصيص أماكن مغلقة للأطفال حسب فئاتهم العمرية يصاحبهن فيها جليسات مدربات بالاضافة لإعداد أنشطة اسلامية ضمن برنامج "أحب الاسلام" يستمعون فيه لقصص اسلامية ويمارسون أنشطة فنية مرتبطة بشهر رمضان، وفى بريطانيا تم تعديل مواعيد امتحانات بعض المراحل التعليمية مراعاة للطلاب المسلمين، حيث اجتمعت هيئة الامتحانات للتشاور مع مجموعات تمثل المسلمين فى بريطانيا لوضع تعديلات فى جداول بعض الامتحانات الهامة فى المرحلة الثانوية والتمهيدية للجامعة وتم اجراؤها قبل رمضان مباشرة. أما فى مصر فقد أصر القائمون على العملية التعليمية على وضع أبنائنا فى خيار صعب بين أداء فريضة هى ركن أساسى من أركان الاسلام أو أداء امتحانات الثانوية العامة التى تحدد مستقبلهم وتقررمصيرهم، وإبراءَ للذمة فقد قامت دار الافتاء المصرية بإصدار فتوى تبيح الفطر لطلاب الثانوية العامة فى حالة وقوع ضرر عليهم، وأنا أتساءل من فى هذا الحر الشديد لن يضار من دخول الامتحانات وهو صائم فى فصول تفتقد فى معظمها لوجود أدنى قدر من الآدمية للدرجة التى وصلت بأحد الطلاب أن يحمل معه "مروحة" أثناء ذهابه للامتحانات للتخفيف من شدة الحرارة على الرغم من تأكيدات وزارة التربية والتعليم منذ شهور الاستعداد لتلك الامتحانات وإدراكها التام أنها ستجرى فى عز الحر. وفى مصر أيضاً استقبلنا رمضان بالهجمة المعهودة من المسلسلات المملة والبرامج السخيفة والاعلانات المستفزة .. لكن هذه المرة أطل علينا إعلان كان مثار جدال واسع على صفحات التواصل الاجتماعى بين منتقد ورافض له من جهة ومؤيد ومرحب به من جهة أخرى، فقد أطلت علينا "الحاجة زينب" فى شاشة كلها أبيض واسود تعبر عن واقع الحال الذى تعيشه لا يظهر فيها شئ ملون سوى قرطها الذهبى ، فهى لا تمتلك من حيطان الدنيا سوى "حلق" ورثته عن جدتها وآثرت مصر به على نفسها فذهبت للتبرع به، وقد فكرت كثيراً فى المغزى الحقيقى من وراء هذا الاعلان وهل هو محاولة لحث المواطنين على التبرع مهما كانت ظروفهم صعبة، أم تم تقديمه على هذا النحو لإثناء كل "زينب" عن التمرد على الغلاء والفقر وهى تشاهد مسلسلات وبرامج تجاوزت فى تكلفتها مئات الملايين، والنتيجة الوحيدة التى خرجت بها بعد تفكير طويل أن القائمين على صناعة هذا الاعلان أخطأوا خطأً فادحاً فى إيصال رسالة قد تبدو فى ظاهرها شديدة الوطنية والانتماء، وهذا الخطأ يتمثل فى توقيت الاعلان فلو أنه تم تقديمه منذ عامين عقب استقبال الرئيس السيسى للسيدة صاحبة القصة لحقق أصداء رائعة، أما اليوم وسط هذا الكم الهائل من المشاكل الاقتصادية والأعباء التى ترهق كاهل كل الأسر المصرية بداية من ارتفاع أسعار الخضروات والفاكهة واللحوم والدواجن ومروراً بزيادة فواتير الكهرباء والغاز والمياه وانتهاء بالتهاب فى أسعار الدواء مع عدم رفع المرتبات بالقدر الذى يغطى تلك الأعباء فإن هذا الاعلان يعنى منتهى الاستفزاز للمواطنين ومنتهى السخرية من كل سيدة فى مصر صابرة على الغلاء الفاحش الذى وصلنا إليه، وتساءلت هل يمكن أن يخرج "حلق" الحاجة زينب مصر من كبوتها الاقتصادية، وهل حقق هذا الاعلان الأهداف المطلوبة منه أم أنه حقق نتائج عكسية؟ ألم يكن من الأجدر أن يقدم إعلان مشابه على نفس النهج تستبدل فيه الحاجة زينب بأحد رجال الأعمال ممن يمتلكون المليارات أو أحد الفنانين أو الاعلاميين الذين تتجاوز دخولهم السنوية ملايين الجنيهات لحث الأثرياء على التبرع بدلاً من زيادة معاناة الفقراء. ورغم كل الصور البائسة المحيطة بنا إلا أن مصر مازال بها الكثير من الايجابيات التى تفتح طاقات الأمل أمامنا، فقد استوقفنى فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى لا تتعدى مدته الدقيقة الواحدة لكنه يحمل معانى جميلة افتقدناها فى التعامل بين الشرطة والمواطنين حيث يصور عدداً من رجال شرطة المرور يستوقفون السيارات على الطريق الدائرى قبيل آذان المغرب لتقديم العصائر لراكبيها بطريقة أبهرت الناس، كما استوقفنى خبراً عن إقامة كنيسة قصر الدوبارة "مائدة الرحمن" لإفطار المسلمين برمضان في ميدان التحرير كل جمعة وسبت من شهر رمضان فى مشهد رائع يجسد الوحدة الوطنية فى أجمل معانيها، فأحسست أن الخير ما زال فى بلدى وسيظل إلى يوم القيامة.