يبدو أن الحل لا يزال بعيدا في سوريا، في ظل الارتباك الدولي، والمراوغة الروسية وضعف الأطراف الإقليمية حتى حينه، فالمفاوضات حسب المراقبين تسير ببطء، ويبدو أنه قد استقر الرأي الروسي والأمريكي على تأجيل بحث مسألة مستقبل بشار الأسد، المفصلية والحدية بين طرفي التفاوض، حيث نصت اتفاقية جنيف 1 على رحيله وتشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، أو عقد انتخابات رئاسية مبكرة، وهو ما تدعو له المعارضة، بينما يصر الطرف الحكومي والنظامي على رفض مناقشة المسألة من أساس، خاصة بعد ما حصده في فترة الهدنة من انتصارات مدوية وتمددات سواء في مناطق المعارضة أو داعش. وفي تقرير لمركز ستراتفور الأمريكي المقرب من الاستخبارات الأمريكية، بتاريخ 30 مارس الماضي ذكر نماذج متعددة من هذا المراوغات الدبلوماسية ليس أكثر، حيث ذكر المركز أنه قد استخدم المعنيون بمستقبل سوريا كلّ أشكال الخداع الدبلوماسي الممكنة منذ إندلاع الحرب الأهلية السورية. وقد تجلى هذا الخداع في محادثات جنيف للسلام وفي ميدان القتال على حدٍّ سواء. وتتمثل المحصلة المثلى للرئيس بشّار الأسد ومؤيديه في روسيا بإقناع التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة والذي يدعم الثوّار السوريين، بالتعاون مع الحكومة السورية لمحاربة داعش سويةً. ومن شأن مثل هذا التعاون أن ينهي معارضة واشنطن لبقاء الأسد في الحكم وأنْ يساعد موسكو في جهودها لإطلاق حوار دبلوماسي مع واشنطن حول قضايا أخرى، مثل أزمة أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا. ارتياب واشنطن: لكن واشنطن تدرك هذه الأمور وما زالت تشعر بالإرتياب إزاء دوافع الحكوميتيْن الروسية والسورية. وبالنسبة للعديد من صناع السياسات الأمريكية، فإن بقاء الأسد في الحكم يعرقل مكافحة داعش كما أن حكومته تأجج العداوات داخل سوريا وتسهم في جذب الجهاديين إليها وتدفع الثوار إلى التطرّف. علاوة على ذلك، تحارب قوات النظام السوري داعش وفصائل الثوار لأنها تعتبرهم تنظيمات إرهابية. وحتى وقت قريب، دأبت وزارة الدفاع الأمريكية على التأكيد على أنّ معظم الغارات الجوية الروسية والسورية كانت تستهدف الثوار السوريين، وليس مواقع تنظيم داعش. كما أن واشنطن تحمّل الأسد مسؤولية الحرب الأهلية السورية التي أدّت إلى صعود تنظيم داعش وترفض التعاون معه. عملية استعادة تدمر من داعش: ولم تكن عملية إستعادة تدمر خلال نهاية الأسبوع آخر هزيمة لداعش وحسب، بل مثّلت أيضاً مثالاً واضحاً على الخداع الدبلوماسي في النزاع السوري. فقد ضخّمت دمشقوموسكو نصرهما في مدينة تدمر ذات الأهمية التاريخية. ولم يكن من قبيل الصدفة إستعادة تدمر في هذا التوقيت لأن رئيس وفد الحكومة السورية في جنيف، بشّار الجعفري، أعلن عن إستعداد دمشق لمحاربة تنظيم داعش بالتعاون مع التحالف الدولي ضدّ هذا التنظيم إن وافقت واشنطن على التعاون المباشر مع الحكومة السورية. ومن جهتها، واصلت موسكو الإشادة بنجاحات الحكومة السورية ضدّ المتطرّفين ودعت الولاياتالمتحدة للمشاركة في جهود إزالة الألغام والعبوات الناسفة من مدينة تدمر الأثرية، الأمر الذي يتطلب بالطبع نشر خبراء عسكريين أمريكيين في مناطق تقع تحت سيطرة الحكومة السورية. بالتالي، غالت الحكومة السورية والكرملين في أهمية تدمر الرمزية لتوجيه رسالة إلى واشنطن والعالم مفادها أنّ حكومة بشار الأسد، جزء من الحلّ ضدّ تنظيم داعش. لكن الحكومة الأمريكية ترفض مثل هذه الرسالة وقيل إنها رفضت المقترحيْن السوري والروسي. فإلى جانب قناعة واشنطن بأن حكومة الأسد تعرقل القتال ضدّ التطرّف في سوريا، هناك إعتبارات أخرى تمنع الولاياتالمتحدة من تلبية دعوتيّ دمشقوموسكو. إذ تدرك واشنطن أن علاقاتها باتت هشّة مع الدول الأخرى الداعمة للثوار، بما فيها تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي. لذا، فإن التعاون مع الحكومة السورية سيؤدي إلى تدهور إضافي في علاقات الولاياتالمتحدة مع حلفائها في المنطقة، الأمر الذي قد يحد من قدرة واشنطن على إدارة أنشطة هؤلاء الحلفاء في سوريا، بما في ذلك منعهم من تزويد الثوار بصواريخ مضادة للطائرات. كما أن الولاياتالمتحدة تعتقد أن موسكو تستخدم الأزمة السورية كورقة ضغط لانتزاع تنازلات من الغرب بشأن قضايا أخرى، خصوصاً قضية أوكرانيا ومسألة رفع العقوبات الإقتصادية المفروضة على روسيا. ومن الواضح أيضاً أن دمشق تحاول توسيع نطاق سيطرتها الجغرافية لتعزيز موقعها في مفاوضات جنيف. لذا، فإن الأمر الملحّ بالنسبة لواشنطن أصبح ضمان تقدّم هذه المفاوضات قبل أن ترغمها الإنجازات الميدانية لقوات النظام السوري على التعاون مع دمشق في مكافحة داعش، وذلك لتلافي إعطاء الشرعية لحكومة بشار الأسد.