في ظل غياب المعلومات والغموض في نقل الحقائق، تكثر الشائعات وتتزايد التناقضات في الآراء، وتحدث التغيرات في المواقف العامة التي تحكم الجميع، ولاسيما خلال إجراء تحقيقات في وقائع تحمل شبهات جنائية، ويسقط بعدها ضحايا ومصابين مدنيين، ولكن وسط ظهور أدلة وقرائن جديدة وتوافر معلومات حقيقية عن ملابسات الحادث، غالبا ما يتم إعادة التفكير بشكل مغاير تماما لكل ما سبق . وهذا ما حدث مع الموقف الروسي الذي تحول موقفه الرسمي إلى النقيض بصورة مغايرة في غضون أسبوع على حادث سقوط الطائرة الروسية فوق جبل أم حصيرة بمنطقة الحسنة الواقعة وسط سيناء، خلال رحلتها الأخيرة من مطار شرم الشيخ إلى سان بطرسبرج بروسيا، والتي أسفرت عن مصرع جميع ركاب الطائرة البالغ عددهم 217 شخص و7 أخرون من طاقم الطائرة .
"التحرير" ترصد 5 مواقف متضاربة كاشفة للموقف الروسي في أقل من أسبوع على حادث الطائرة المنكوبة.
1. رسالة شكر وتقدير
في البداية اتسم الموقف الروسي بالهدوء والصمت الرسمي والعقلانية في التصريحات والاكتفاء بتقديم التعازي لضحايا الحادث الأليم وتخصيص طائرات لنقل جثامين الضحايا إلى بلادهم وتقديم المساعدات الفورية لذويهم والتنسيق مع الجانب المصري في كشف ملابسات الحادث والتحقيق فيه عبر لجنة فنية متخصصة مشكلة من عدد من المحققين بالجانبين المصري والروسي للوصول إلى تقرير نهائي بشأن الحادث .
ومن جانبه أرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطاب شكر وتقدير للسيسي والسلطات المصرية، بما يؤكد على قوة ومتانة العلاقات بين البلدين، خاصة على دورهم البارز في سرعة التوجه إلى موقع الحادث ومحاولة انقاذ الضحايا وتقديم العون لهم وتشكيل لجنة فنية للتحقيق من أجل الوقوف على أسباب السقوط المفاجئ للطائرة الروسية المنكوبة، فضلا عن تكليف بوتين وزارة الطوارئ الروسية بإرسال طائرات إنقاذ إلى مصر من أجل أبناء شعبه، حتى أعلن لاحقا في الأول من نوفمبر يوما للحداد العام في روسيا على أرواح حادث الطائرة وتبعه السيسي خلال خطابه الأخير على مسرح الجلاء أثناء الندوة التثقيفية للقوات المسلحة الوقفو دقيقة حداد تضامنا مع ضحايا الطائرة الروسية.
2. اتصالات مستمرة بين البلدين
بعد ذلك توالت الاتصالات بين البلدين، للتنسيق فيما بينهما بشأن التحقيقات الجارية في ملابسات الحادث الأليم، وتقديم السلطات المصرية كافة التسهيلات الأمنية للجانب الروسي وأسر الضحايا خلال سير التحقيقات الجارية التي يؤكد خلالها أكثر من مصدر رسمي في لجنة التحقيقات استبعاد فرضية تعرض الطائرة لانفجار، وفقًا لما نقلت وكالة الأنباء الروسية نوفوستي، لكن الجانب البريطاني لم يستعد ذلك، وهو ما أكده محققين أوروبيين شاركوا في تحليل الصندوقين الأسودين للطائرة أن الحادث لم ينجم عن عطل فني كما يردد البعض، إنما خطأ أمني نتج عنه انفجار قنبلة بمنطقة الأمتعة، رغم نفي صحيفة "كومير سانت" الروسية لذلك حين نشرت أن نتائج تفريغ الصندوق الأسود الأول لم يسمح بتحديد أسباب تحطم الطائرة الروسية بسيناء، وأن كافة أجهزة الطائرة كانت تعمل بشكل طبيعي طوال رحلتها التي استمرت أكثر من 20 دقيقة حتى وقوع الحادث الذي أدى إلى وقف جميع بارامترات عمل أجهزة الطائرة في لحظة واحدة .
3. إيقاف الرحلات لمصر
في تلك الآونة وبعد تزايد حالة الغموض حول معرفة أسباب السقوط المفاجئ للطائرة الروسية، سارعت بريطانيا، وعدد من الدول الأوروبية باتخاذ قرارهم بإيقاف جميع رحلات الطيران من وإلى شرم الشيخ حتى إشعار آخر، مع إجلاء الرعايا المتواجدين بمصر إلى بلادهم، حتى يتم الانتهاء من التحقيقات الرسمية في حادث الطائرة الروسية المنكوبة، وصولا إلى نشر الشائعات والتسريبات من مصادر في لجنة التحقيقات التي تتولى عمليات تفريغ الصندوقين الأسودين للطائرة واحتمالية تعرضها لإنفجار إثر حادث إرهابي .
4. الكرملين ينفي شبهة الإرهاب رغم إجلاء الروس
في المقابل نفى الجانب الروسي، تلك الشائعات وصدرت تصريحات روسية عديدة عن المتحدث الرسمي باسم "الكرملين"، تؤكد على استمرار التعاون المشترك بين الجانبين المصري والروسي في مجالات أمن السياح، إلا أن رئيس وكالة الأمن الروسية خلال اجتماعه ولجنة مكافحة الإرهاب، أوصى بوقف الرحلات الجوية من روسيا إلى مصر مؤقتًا، وهو ما وافق عليه "بوتين" الذي أعطى تعليماته باتخاذ التدابير اللازمة لإعادة المواطنين الروس من شرم الشيخ، بعد توصية من الاستخبارات الروسية.
وفي محاولة لتوضيح حقيقة التغير المفاجئ في الموقف الروسي، أعلن "الكرملين" أن ايقاف الرحلات الجوية إلى مصر لا يعني أن تحطم الطائرة سببه عملية إرهابية، ولكن حتى يتم الانتهاء من سير التحقيقات الجارية بشان الحادث، الأمر الذي دفع الجانب الروسي لإرسال 93 طائرة روسية إلى مصر من أجل إجلاء 79 ألف روسي متواجدين في الغردقةوشرم الشيخ والقاهرة، وفقًا لتصريحات نائب رئيس الوزراء الروسي .
5. وعود بعودة الروس في أقرب وقت ممكن
وعلى صعيد أخر، أجرى الجانب المصري مباحثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بخصوص القرار الأخير، في ظل التعاون المشترك القائم بين البلدين وتوفير أقصى درجات التأمين للسياح الروس في مصر، أسفر ذلك الاتصال عن وعود باستئناف رحلات الطيران الروسية إلى مصر في أقرب وقت ممكن.
وسط سيل التغيرات السابقة والتحولات المفاجئة في المواقف الروسية والأوروبية، وإجلاء الرعايا البريطانيين والروس وعدد من السائحين الأوروبيين عن مصر، ما تزال التحقيقات الرسمية جارية لكشف ملابسات الحادث ومعرفة تفاصيل السقوط المدوي للطائرة الروسية المنكوبة .