يكتب :"المستريحون" واقتصاد السبوبة في اليوم الذي أعلنت فيه إدارة البورصة المصرية عن تغطية الطرح العام لأسهم شركة إعمار مصر بنحو 36 مرة، كانت الصحف تنشر خبراً عن إلقاء القبض على "مستريح جديد" جمع من أهالي مصر الجديدة أكثر من 100مليون جنية في عدة أيام بحجة استثمارها ثم اختفى فجأة كعادة كل "المستريحين" الذي تخصصوا في الاستيلاء على أموال المصريين وتحويل أحلامهم بالثراء إلى كابوس ومعاناة في أقسام الشرطة والمحاكم في محاولة بأسة لاسترجاع أموالهم. النجاح الكبير في تغطية أسهم إعمار مصر بنحو 36 مرة يؤكد أن الشعب المصري يبحث عن وسائل أمنة وطرق ناجعة لاستثمار ما وضعه تحت"البلاطة"من أموال، وخاصة أن الكثير من المصريين تحرر من الارتباط باحتفاظ الأموال تحت البلاطة في ظل تراجع قيمة الجنية المصري على مدار السنوات الماضية، ولكن الدولة لم تستفيد من هذا التحول في دعم الاقتصاد من خلال إنشاء شركات عملاقة متخصصة في الزراعة والصناعة والسياحة وغيرها من المجالات لاستثمار أموال المصريين وإنما تركتهم فريسه لأطماع "المستريحين"الذين وجدوا البيئة خصبة في الشارع المصري لإسالة لعاب المصريين واغرائهم بأرباح وهمية في شركات لاوجود لها على أرض الواقع. إذا كان خبراء الاقتصاد يعتقدون أن الطرح الخاص بأسهم قناة السويس حقق نجاح كبير نتيجة لطبيعة المشروع القومية وأهميته الوطنية واستشعار المصريين بإن المشاركة واجب وطني قبل أن تكون ربح مادي، ولكن نجاح طرح شركة إعمار مصر يؤكد أن السوق المصرية والمواطن المصري متعطش للمشاركة في شركات حقيقية ذات استراتيجية واضحة بإدارة ناجحة لضح ما يمتلكه من أموال للمساهمة في دعم الاقتصاد وتغير حياته للأفضل بالحصول على الأرباح وتوفير فرص لتشغيل الشباب. ولكن إذا كانت الحكومة غير قادرة قراءة السوق ومعرفة أوضاع المصريين وحجم التغير الذي طرأ على حياتهم ولاتملك الرؤية والإرادة والإدارة لطرح شركات كبرى للاستثمار واستيعاب أموال المصريين في مشاريع ناجحة، فعليها أن تفتح الباب أمام الشركات الوطنية ذات الثقة وتأسيس شركات جديدة لديها القدرة على تحقيق ذلك،بدلاً من ترك المجال للغرباء، فهناك الكثير من المشاريع التي تحظى بإقبال كبير من المصريين منها شركات الاستصلاح الزراعي التي يمكن من خلالها إتاحة الفرصة أمام المساهمين لتملك والعمل، كذلك الأمر بالنسبة للصناعة والنقل العام والاسكان وغيرهم من الشركات التي يمكن تأسيسها وإدارتها بنجاح لتحقيق أرباح جيدة للمساهمين وتقديم خدمة متميزة للمواطنين، طالما ظلت الحكومة مشغولة بالبحث عن القروض الخارجية والتعاقد مع شركات أجنبية وغير قادرة على الخروج من جلباب الماضي. إن مشاركة المواطنين في تأسيس الشركات الكبرى عبر الطرح العام ليست بدعة في مصرية، بل نظام معمول بها في كل الاقتصاديات الناجعة والدول الغنية، وكان من المفترض أن تكون مصر في طليعة هذه الدول ولكن النظام البائد بدلاً من تطوير الشركات والتوسع في أعمالها من خلال الطرح العام لجزء من أسهمها قام ببيعها بملاليم لرجال الاعمال الذين كسبوا منها الملايين وكأن الحكومة كانت تريد التخلص منها فقط، فهل تتحرك الحكومة وتستغل طاقات وأموال المصريين والتغير الذي طرأ على حياتهم في بناء اقتصاد قوى بمشاركة قوية من الشعب ورقابة فاعلة من المساهمين أم ستترك المواطنين فريسه للمستريحين واقتصاد السبوبه الذي مارسته الحكومات السابقة ردحاً طويلاً؟!. المشهد .. لاسقف للحرية المشهد .. لاسقف للحرية