لقد طالت المأساة في سوريا بعد أن انقلبت الثورة إلى حرب و اتسعت الفجوة بين النظام و المعارضين ، فعسر الحلّ، وازدادت الأزمة اتساعا، و سدت السبل أمام الحلول السلمية في ظل تمسك كل طرف بمواقفه، فسيقت سوريا إلى المعلن و المجهول معا. أما المعلن فحرب معلنة من قبل الطرفين، اقتتال، دمار شامل، أرواح مزهقة، عائلات مشردة تبات في العرى ، مدن باتت أشباحا بعد أن هجرها أهلها، ملايين من السوريين غادروا الوطن الأم إلى البلدان المجاورة، اقتصاد تهاوى، بنية تحتية دمرت، مرافق الحياة أصبحت شبه مشلولة... فمن ينقذ سوريا من حاضرها الكئيب؟ و من يضع حدا لهذا الوضع المتردي؟ و من يسير بهذا الوطن نجو البناء عوض الهدم؟... "تجوع الحرة و لا تأكل من ثدييها"، فالسوريون على اختلافاتهم و فرقتهم و انقسامهم لا اخالهم يبيعون الوطن، فالواجب المقدس يدعوهم إلى المحافظة على وطنهم و الولاء له و الذود عنه. إن المواطنة و حب الوطن شيء مقدس، و عليه فالسوريون مدعوون إلى أن يجعلوا من شعبهم شعب بنائين ماهرين، لا هم لهم سوى التصدي لقوى الدمار و الخراب، شعب يدحض عنه العدم لا هم له سوى العلو و الشموخ، و صمامين لا غرض لهم سوى انقاذ وطنهم بمزيد الصلابة و التماسك ، و تجاوز الخلافات ، جميعهم يؤمن بالفعل الخلاّق، فيصبح لموضوع الصراع اجل مكتوب، فتنهزم عناصر الهدم و تضمحل لتحل محلّها عناصر البناء لتكتمل... إن التاريخ لن يرحم الانتهازيين، مشعلي نيران الفتن و مذكيها، المتلاعبين بعواطف الأبرياء، الذين لا يملكون من الوطنية سوى الاسم، فاقدي الحس الوطني و مصاصي دماء الشعب السوري. لقد باتت سوريا حلبة صراع بين الغرباء والأعداء، فهؤلاء لا حضارة و لا روابط ثقافية تربطهم بدمشق و باقي مدن الشام، و لا هم سوى خدمة أجندات معينة، و مصالح خاصة. إن السوريين مدعوون إلى شق طريقهم بأنفسهم لتجاوز الصعاب و واد الفتن و لملمة الجراحات و دحر الأعداء خارج حدود الوطن. إن التاريخ علمنا أن بلد الشام هي بلد الحضارات و تعايش مختلف الطوائف و ملتقى الأديان فهل سينقلب هذا البلد اليوم إلى ضده و يترك أبوابه مفتوحة و مشرعة أمام أعداء الأمة و التاريخ و الحضارة الكونية و الإنسانية . أم انه سيوصد أبوابه في وجه أصحاب الأجندات الخفية و المسترابة. إن قوة السوريين في اتحادهم و وحدتهم، فهل يقفون صفا واحدا و يصدون من يبنون للخراب. على غرار العراق، فقدت سوريا نسبة كبيرة من أراضيها لفائدة الدولة الإسلامية و خاصة على طول الحدود التي تربطها بالعراق و تركيا ، فسقطت مدنا بأكملها في يد هذه الجماعات الإسلامية .أضف إلى ذلك سيطرتها على عدة جسور و معابر حيوية هذا من جهة، أما من جهة أخرى فقد سيطرت قوات حزب الله مدعومة بالحرس الثوري الإيراني المتاخمة للحدود اللبنانية بدعوى حماية لبنان من تسلل المتشددين ، أما الجار التركي فقد أعلن صراحة تدريب القوات السورية المعتدلة و المعارضة للنظام السوري بدعم أمريكي و باتفاقات قائمة، ناهيك و إن الجولان بات أرضا اسرائلية منذ 1967. هذا حال سوريا اليوم، تمزق جغرافي، تشتت سكاني و أراض مغتصبة... فهل تخلي النظام عن طواعية أو إسقاطه كرها يحل المشاكل العالقة و يرتب البيت السوري من جديد أم يزيد الأزمة تعقيدا فتتفكك سوريا علنا بين أعراق و أقوام لا حصر لها؟ و هل يقع الشعب السوري تحت وصاية أو احتلال ثان لكن بلون و شكل مغاير؟ لقد سرقت الثورة السورية و أصبحت و بالا على الأمة نتيجة سلوكات لا أخلاقية و لا إنسانية، بدأت بالقتل و انتهت بالحرب، و مما زاد في الطين بلة هو اعتقاد المتشددين إنهم أصحاب قضية. يقول الشاعر ادونيس:" متى دخل الدين على السياسة فقد هويته و أصبح عدوانيا على الآخرين" فمن المنطق أن يكون الدين و السياسة في خدمة الإنسان و ليس من المتجه أن يوظف الإنسان لخدمة الدين و السياسة.