يقف الكاتب الذي يؤمن بما يكتب وبأهمية وضرورة أن يكتب ما يكتب حتي لو لم يرض أحد عما يكتب، موقفًا لا يحسد عليه بين مبغضيه ومحبيه، فالمنطق غالبًا ما يغيب ليحل محله الهوي مع أن الهوي لا يغني عن الحق شيئًا ويتساوي مع الظن، وسوء الظن أصبح في زمننا هذا من حسن الفطن، ومن حسن ظن المرء فيما يعتقد، ينتج الالتباس الذي غالبًا - تقريبًا - ما نسميه سوء تفاهم من باب الدلع المشهور لدينا في تسمية الهزيمة نكسة والحركة العسكرية ثورة وكله ماشي!! ما علينا أو قل علينا أن نجرع مرارة الزمن الرديء ونحن الآن لم نزل نتحدث عن دين الدولة ودولة الدين في مصرنا المحروسة. أثار استفهامي عن فكرة الولاء العديد من اللغط وكأني أطلب من الناس أن تكفر بدينها وتؤمن بالوطن بديلاً عن الدين، وسأفترض حسن النية في هذا التفسير الذي بدا مُغرضًا لهذا الملف الشائك، علاقة المواطنة بالأديان عمومًا، لعلنا نبُتُّ فيما ليس منه بُد! الدين الرسمي ونبدأ من فكرة الخلط الذي قامت به الدولة المدنية التي لم نزل نحلم برسو سفينتها علي بر هذا البلد الذي لم يعرف من الدولة المدنية سوي شكلها المؤسسي، والدستور الذي بدأ فيها منذ زمن بعيد، المهم أن الدولة بما أنها شخصية اعتبارية قانونًا فلا يصح أن يكون لها دين، لأن الدين ممارسات عقائدية وأخلاقية يمارسها الأشخاص الطبيعيون، و لا مجال لممارسة هذه الطقوس من قِبل أشخاص اعتبارية، عمرك سمعت عن دولة تصلي في الجامع يوم الجمعة أو في الكنيسة يوم الأحد؟ لأ طبعًا، وبالتالي مسألة دين الدولة الرسمي في حاجة إلي إعادة نظر، ومنها يمكن الحديث عن أن من أهم مصادر الطائفية، هو ادعاء الدولة التدين بدين الأغلبية، وبالتالي تحريض الأقلية علي التفكير في كونهم أقلية، وتتفاقم مشاعر الأقلية فيسعون إلي إقامة جيتوهات مغلقة عليهم ضد ممارسات الأغلبية المستقوية بالعدد والدستور معًا، هذه المشاعر تنتج ما يسميه علماء النفس حالة من حالات الغضب المكبوت الذي يتحول مع مزيد من الكبت إلي سلوك عدواني لا واع، وهو الذي ينتج الطائفية القبطية التي يرفض الاعتراف بها إخواننا الأقباط، رغم أنها إفراز طبيعي لحالة وجع في قلب الوطن! نعم هناك طائفية قبطية، وهناك غضب لا يتسق مع وصايا المسيح، وهناك وجع لعدم إمكانية البوح، وهناك كنيسة تمنع بمديونية المعني رعاياها من التفكير خارج حظيرتها، نحن لا نُدين الأقباط بهذا الكلام، علي العكس تمامًا نحن نلتمس لهم الأعذار، ونحاول رفع التجني الواقع عليهم من كل النواحي ونحاول كشف الوجه الآخر لقضية أقبطة مصر التي رفضوها، وإلا فماذا يعني بعضهم بقوله إننا أصحاب البلد الأصليين؟ وماذا يعني رفضهم لقوانين القضاء الذي يرونه غير مُنصف لهم في قضايا جنائية، ولماذا يصر الأقباط علي أن يتعاملوا مع الوطن بمنطق الأقلية لا المواطنة؟! طائفية نعم هناك فرز طائفي عضدته الدولة، لكن نحن أول من واجهه وكتب عنه منتقدًا ومهاجمًا وكتبنا ما لم يجرؤ الأقباط علي قوله محبة في الوطن لا المسيح، وكرامة لمصر لا عداوة ضد المسلمين، نسينا أدياننا ونحن ندافع عن مواطنينا، مواطنينا الذين تعلموا في المسجد كما في الكنيسة تمامًا أن كل شيء يهون من أجل الدين، أما الوطن فلا دين له! إننا في الحقيقة ضد تديين الوطن، مع علمنته الشاملة التي تعني بلا تزيد ولا افتعال أن الدين للديان والوطن للإنسان، وأن "ما يجمعه الوطن لا تفرقه الأديان"، ولا تضاد إطلاقًا بين حب الوطن وحب الكنيسة أو المسجد أو المعبد، المهم أننا أمام ساحة الوطن، الدستور، القانون، سواء بسواء لا يميزني القانون بسبب ديني ولا يضطهدني لنفس السبب كذلك، من هذه الأرضية كانت كتابتي ضد موقف دولة الكنيسة من دين الدولة لتحزُّبها أي الكنيسة في المشهد الأخير لدولة الدين!! وماذا يحدث لو انتصر كل ذي ديانة لدولة دينه علي حساب الدولة التي ينبغي ألا يكون لها دين؟ أعزائي الأقباط عفوًا لم أدافع عنكم من أجل كنيسة البابا شنودة ولن أدافع فقط عن المواطن المصري المنتمي إلي دين المسيح، لا كنيسة البابا شنودة لكن اسألوا أنفسكم من الذي يرهف الحاسة الطائفية لديكم؟ من يأمركم بالصمت حين يكون الكلام واجبًا؟ من يفرض عليكم سلطانه السياسي رغم أنه لا سلطان سياسي له، أفيقوا قبل أن تكتشفوا ذوبان مواطنتكم المصرية واحتكموا فيما يخص الوطن للوطن، وتابعوا وصية المسيح: اعطوا ما لله لله وما لقيصر لقيصر، واشكروه لأن لا قيصر اليوم، وإنما دولة نحاول التمسك بمنجزاتها المدنية رغم كل ما يشوبها من مساوئ، هي أفضل بكثير من دولة قيصر الرومانية التي صنعت عصر الشهداء ومع ذلك بقي ثأركم مع العرب المحتلين فقط، لكونهم مسلمين! مصر بلد لكل المصريين ونسعي إلي أن تخلع عن دستورها وصف الدين، أي دين.