رغم أن حدة الهجوم علي إيران واتهامها بالتدخل في الشأن العربي الداخلي (خاصة في الشأن العراقي) قد خفت في الفترة الأخيرة إلا أننا نلاحظ في نفس الوقت ألا أحد يتحدث عن التدخلات الأخري في هذا الشأن. لم نسمع أحدا يتحدث عن الدور الكبير الذي لعبه الأتراك في انتخابات العراق حيث يؤكد المراقبون أنهم كانوا وراء تشكيل أحد أهم اللوائح الفائزة وأن هذا الدور كان مدفوعا برغبتهم في تحجيم الطموح الكردي نحو الاستقلال والاستفراد بتقرير مصير مدينة كركوك الغنية بالنفط والتي تشكل حجر الزاوية في هذا المشروع وأن سعيهم لتحقيق هذا الهدف استدعي تكتيل العناصر القومية العربية والتركمانية المناهضة للكرد في جبهة واحدة مدعومة عربيا لتتمكن من الفوز بأغلب المقاعد المخصصة لهذه المدينة. ليست تركيا وحدها من يناهض مشروع الدولة الكردية فهناك أيضا إيران التي ترفض هذا المشروع ليس كرها في الكرد وإنما حفاظا علي تماسك الدولة الإيرانية. هكذا تتشابك خيوط اللعبة السياسية ليس في العراق وحده وإنما في كثير من الدول العربية التي تتعدد فيها القوميات والأديان والمذاهب. الحديث إذا عن (عالم عربي موحد) ذي صبغة دينية ومذهبية محددة يجري حوارا مع ما يسمي بدول الجوار من أجل تبديد مخاوفه يعد وهما كبيرا ومغالطة أكبر لا لأننا ننكر وجود هوية عربية بل لأننا نعتقد أنها هوية إجمالية في إطار هوية أكبر هي الهوية الإسلامية وأن هذا لا يتناقض مع وجود هويات ثانوية يتعين الاعتراف بها والتعامل معها تحت هذا العنوان غير الجامع أو المانع. لماذا يبدو (ظاهريا) أن العرب يرحبون بالدور التركي ولا يرحبون بالدور الإيراني رغم أن الأتراك ومنذ العهد العلماني الأتاتوركي قد نبذوا الحرف العربي ولجأوا إلي الحرف اللاتيني بل وانتصروا لهذا الحرف ضد إيران في معركة تعريب اللغة التي دارت في جمهوريات آسيا الوسطي الإسلامية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي!!. لماذا لا يتحدث أحد عن (أطماع عثمانية إمبراطورية توسعية) كما يتحدثون عن الأطماع الفارسية رغم أن الأتراك يحلو لهم استعادة هذا التاريخ والحديث عن (جدو الباشا) في حين يخلو تاريخ العرب في القرون الماضية من إمبراطورية فارسية مشابهة؟!. طبعا نحن لا نري مشروعا لإعادة الخلافة العثمانية فقد تغير العالم وأصبح الحديث الآن عن تكتلات وتحالفات لا عن إمبراطوريات!!. كما أننا لن نتحدث عن أحوال اللغة العربية وثقافتها المتراجعة في (قلب العروبة النابض) أو في غيرها من الأقطار المنضوية تحت لواء الجامعة العربية رغم أن وجود نص في الدستور التشادي علي أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة كانت دافعا لضم هذا البلد لما يسمي برابطة دول الجوار. خط تقسيم وهمي يتحدث العرب إذا عن (عروبة لغوية) رغم أن هذه العروبة تتآكل في الداخل وعن (مصالح مشتركة) رغم أن المصالح المالية لبعض هذه الدول تقع هناك في عالم الاستكبار العالمي ورغم فشل أغلب مشاريع الاستثمار والتجارة البينية العربية. الحديث إذا عن حوار الجوار يقتضي التسليم بخطوط تقسيم وهمية ما بين عرب وفرس وترك وأفارقة في حين تبقي الحقيقة التي يتنكر لها منظرو القومية العربية أن الإسلام هو من منح هذه المنطقة اللغة العربية ومن ثم صفة العروبة وهو الذي سمح بهذا التمازج بين الأعراق المختلفة المتواجدة في المنطقة. وبينما يتحدث منظرو القومية عن (مصالح مشتركة) لا نري أثرا لهذا في أرض الواقع وأن الأمر لا يعدو كونه عيشا مشتركا من صنع الشعوب نفسها وليس من صنع الحكومات التي تسعي أحيانا لإعاقة هذا العيش وتبارك إشعال معارك وهمية مذهبية أو عرقية وما مأساة دارفور منكم ببعيد. حتي المنتج الثقافي الذي هو من مصادر الوحدة والتقارب لا يعزي الفضل فيه للنظم العربية الرسمية التي تسعي لإخضاع هذا المنتج لخياراتها الطائفية والسياسية بدلا من تسهيل الامتزاج الثقافي بين شعوب المنطقة. عروبة متكلسة الحديث عن عروبة تنطلق من صيغة (جامعة الدول العربية) وهي مشروع بريطاني قديم يقصد منه الفصل أولا بين العرب وشركاء التاريخ والدين ومنهم الأتراك وهي صيغة ثبت أنها صيغة متكلسة وقليلة الجدوي في حين كان علي القادة العرب في مرحلة ما بعد سقوط الدولة العثمانية أن يبحثوا عن صيغ للتعاون فيما بينهم تتلافي الأخطاء والكوارث التي وقعت فيها هذه الدولة وتحقق لهم الأمن والمصالح المشتركة وغيرها من الأهداف الحيوية الضرورية. أن تكون رافضا للعثمانيين لا يعني تجاهل تلك الحزمة من المصالح الحيوية التي تشترك فيها شعوب المنطقة ولا احتياجاتها المشتركة ومن باب أولي التكلس والجمود أمام صيغة الجامعة العربية وكأنها وحي إلهي أو (نهاية الأرب في تحقيق مصالح العرب) رغم أن كل الشواهد تؤكد أن العرب يصيبهم في كل يوم قارعة أو تحل قريبا من دارهم وهم لا يحركون ساكنا ولا يغيرون واقعا ولا يتحركون نحو الأمام ناهيك عن أنهم لم يعودوا يميزون بين الخلف والأمام!!. الحديث عن دول خارج الإقليم وأخري داخله انطلاقا من الخارطة المعلقة علي حائط الجامعة العربية هو مغالطة كبري وإلا كيف اعتبر البعض جزر القمر الواقعة في المحيط الهندي دولة (داخل الإقليم) في حين تعد تركيا وإيران دولا للجوار!!. لم تعد الصيغة الحالية للجامعة العربية قادرة علي تلبية احتياجات الإقليم (بمعني الجغرافيا السياسية) الاستراتيجية كما أن هذه الصيغة قد تجاوزها الزمن كتعريف لما هو داخل وخارج الإقليم (ومن ثم التأسيس لحوار دول الجوار) اللهم إلا وفقا لأصول فن المماحكة وحك الأنف السياسي، التي ستقود أساتذة إضاعة الوقت ونجوم هذا الفن حتما إلي الهاوية. فليبحث العرب عن أطر إقليمية إضافية وليتركوا أمر هذه الجامعة التي لا تجيب من شكا ولا تغيث من بكي إلي الزمن لئلا يكون هناك عتاب ولا حساب ولا شجن!!.