«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤوف عباس.. مدرسة التاريخ الاجتماعي
نشر في القاهرة يوم 23 - 10 - 2012

ينتمي إلي جيل السيتنات الذين تتلمذوا علي يد الدكتور أحمد عزت عبدالكريم في مدرسة التاريخ الحديث بجامعة عين شمس تلك المدرسة التي تميزت بخصوصيتها بين الجامعات المصرية صاحب مدرسة في التاريخ الاجتماعي تمكن خلالها من تكوين جيل من الباحثين في هذا المجال في مصر وساهم في تكوين بعض الباحثين في اليابان وألمانيا وفرنسا وأمريكا ترك اسهامات خالدة في التراث الفكري والبحثي فاروق يوسف إسكندر يعد الدكتور رؤوف عباس الذي رحل عن عالمنا يوم الخميس 26 يونية عام 2008 من أبرز المؤرخين علي الساحتين المصرية والعربية، ومن بين الرواد الذين فتحوا مجالا جديدا لدراسة التاريخ الاجتماعي والاقتصادي، وتأسيس مدرسة مصرية لدراسة تاريخ الطبقات الاجتماعية وتأثيرها في حركة المجتمعات، وتكوين جيل من الباحثين في تاريخ مصر الاجتماعي والاقتصادي. وكان الدكتور رؤوف عباس رحمه الله ينتمي إلي جيل الستينات الذين تتلمذوا علي يد الدكتور أحمد عزت عبدالكريم رحمه الله في مدرسة التاريخ الحديث بجامعة عين شمس تلك المدرسة التي تميزت بخصوصيتها بين الجامعات المصرية. وكان رؤوف عباس نتاجا لهذه المدرسة والتي حصل منها علي الليسانس والماجستير والدكتوراه، كان بداية هذه المدرسة إنتاج رسالته للماجستير عن الحركة العمالية في مصر والتي نشرت عام 1968 ثم كانت رسالته للدكتوراه عن النظام الاجتماعي في مصر في ظل الملكيات الزراعية الكبيرة والتي نشرت عام 1973، فكان ذلك فتحا جديدا ومجالا خصبا لدراسة التاريخ الاجتماعي وتاريخ الطبقات الاجتماعية وأثرها في حركة المجتمعات. وقد تابع رؤوف عباس مسيرته العلمية علي هذا النهج، والتي تميزت بالإنتاج العلمي الرصين والتنوع في اختيار الموضوعات المتعلقة بالتاريخ الاجتماعي والاقتصادي، وكذا الدراسات المقارنة. والمؤرخ الدكتور رؤوف عباس صاحب مدرسة في التاريخ الاجتماعي، تمكن خلالها من تكوين جيل من الباحثين في هذا المجال في مصر وساهم في تكوين بعض الباحثين في هذا المجال أيضا في اليابان وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وقدم علي مدي أربعين عاما من العمل البحثي والفكري كتبا بارزة منها «الحركة العمالية في مصر» و«النظام الاجتماعي في مصر في ظل الملكيات الكبيرة» و«مذكرات محمد فريد» و«جماعية النهضة القومية» و«أربعون عاما علي ثورة يوليو 1952» و«حرب السويس بعد أربعين عاما» وغيرها. يؤكد علماء اجتماع المعرفة أن المنتجات الفكرية والاختيارات البحثية والمعرفية لها علاقة بالظروف في وجدانه وتكوينه، ثمة صدي ارتبط بالاهتمام بالعمال وتاريخهم بظروف طفولته التي عاشها رؤوف عباس بينهم وعمل معهم في باكورة حياته العلمية. الحياة العمالية ثمة صدي تردد في وجدان صاحبنا لهذه الحياة التي خبرها في طفولته وهو يتحرك داخل عالم الحياة العمالية بدءًا من البيت الصغير الذي ولد فيه في مساكن عمال السكك الحديدية في بورسعيد، إلي هذه الحجرة الصغيرة التي يعيش فيها مع جدته في قرية «هرميس» التي يسكنها عمال مهاجرون نزحوا إلي القاهرة طلبا للرزق وفرارا من الفقر إلي البؤس والشقاء ومرورا بكل الأماكن التي عمل بها والده. لقد تشعبت روح الفتي بقسوة هذه الحياة وتعاستها وليشاهد من حوله بيوتا متلاصقة ضيقة، والحجرات صغيرة والأحياء بائسة والسكان جميعا شركاء في السكن والفقر وظلت تلازمه مشقة هذه الحياة حتي تخرج في الجامعة، ووجدان ثورة يوليو عام 1952 تضع العمال في بؤرة الضوء، وتتوسع في الصناعة وتمنح العمال مكاسب للمشاركة في الإدارة والأرباح. وكان سعيدا بعمله كمراجع للحسابات في الشركة المالية والصناعية المصرية بكفر الزيات بعد تخرجه في الجامعة مباشرة، ونراه يحكي لنا أنه كان يشعر بالونس وهو يجلس معهم ليتناول طعام الغداء ويشاركهم همومهم، ونضالهم السياسي داخل الشركة من أجل نيل حقوقهم وكان اختيار صاحبنا لموضوع رسالة الماجستير اختيارا لموقف، فكتب بعد أن فرغ من سرد علاقته بالعمال يقول: «حسمت التجربة التي عشتها بين عمال كفر الزيات اختياره، فقد لاحظ أن أولئك العمال الذين نجحوا في إسقاط اللجنة النقابية وراءهم خبرة نضالية لم تأت من فراغ»، ومن ثم كان عمله الرائد حول تاريخ الحركة النقابية في مصر. وعندما نطالع كتاب الحركة العمالية في مصر «نشر في طبعته الأولي عام 1968 عن دار الكتاب العربي للطباعة والنشر» لا نجد في الكتاب بحثا رصينا فحسب، ولا موضوعا جديدا في البحث التاريخي، بل نجد في ثنايا النص موقفه المنحاز للعمال، هذا الوعي الصريح الذي تشكل من مرحلة طفولته وشبابه، حقيقة أن هذه الدراسة الرائدة قدمت نوعا جديدا من الكتابة التاريخية التي لم تكن الدوائر الأكاديمية والثقافية قد ألفتها بعد، وأعني تلك الكتابة التي تتجاوز السرد التفصيلي للأحداث وتتابعها، إلي الإطار البنائي والتاريخي الأوسع في سياق تحليل لمستويات مختلفة اقتصادية واجتماعية. مدرسة التاريخ الاجتماعي اهتم جيل الرواد من الأكاديميين المختصين بالكتابة التاريخية في ثلاثينات القرن العشرين وأربعينياته بتمصير كتابة التاريخ لمصر، والإفادة من الاتجاهات الحديثة التي تبلورت في أوروبا قبل نهاية القرن التاسع عشر بحكم دراستهم بالخارج. محاولات مبكرة وتجلت المحاولات المبكرة للإفادة في مصر بهذه الاتجاهات، في المحاولة التي قام بها محمد شفيق غربال للقفز علي ثوابت المدرسة التاريخية التقليدية. عندما وجه بعض طلابه لدراسات في الموضوعات التاريخية والاقتصادية والذين كان من بينهم الدكتور أحمد عزت عبدالكريم الذي تحمل هذه المسئولية التي بدأها أستاذه، واستكمل مشروعه في أبنائه وتلاميذه الذين كان في طليعتهم رؤوف عباس الذي لعب دورا أساسيا في تأسيس اتجاه أصيل في كتابة تاريخ مصر الاجتماعي. قد شكلت ظروف كثيرة في هذا الاتجاه عند رؤوف عباس بعضها يعود إلي الظرف التاريخي والمجتمعي الذي تكونت فيه إرادته البحثية وبعضها الآخر إلي انتمائه الاجتماعي والطبقي، حيث تزامن تخرجه من الجامعة في مطلع الستينات للقرن العشرين مع الانفتاح غير المسبوق في الفكر الاشتراكي الذي شهده المجتمع والاتجاه نحو الاشتراكية، وصدور قوانين يوليو عندما قرر النظام القيام بأعباء التنمية بنفسه بعد أن أعيته محاولات إقناع الرأسمالية الاجتماعية الأميرية- التي اعتبرها علي رأس أولوياته - كذلك كان لانتماء رؤوف عباس الاجتماعي دور في تشكيل اهتماماته البحثية خاصة أنه اعتبر نفسه ابنا لطبقة في حاجة إلي من يدافع عنها وعن حقوقها ومصالحها. وزاد من ارتباطها بهذه الطبقة وعدم الانسلاخ عنها عمله بعد التخرج بالجهاز الوظيفي بإحدي الشركات الأجنبية التي تعمل في إحدي المدن المصرية وامتد إليها التأميم.. ولعل حساسية دراسة موضوعه للماجستير - ولعل حساسية دراسة مثل هذا الموضوع في منتصف الستينات للقرن العشرين - حدا بالدكتور أحمد عزت عبدالكريم بصدد الإشراف علي الرسالة والبحث عن سر تمسك رؤوف عباس بدراسة هذا الموضوع - وكان لقناعة رؤوف عباس بموضوعه أكبر الأثر في إعداده بهمة وإخلاص، مما جعل الدراسة تلقي قبول جميع المتخصصين في التاريخ وهذا ما عبر عنه الدكتور محمد أحمد أنيس عندما استهل مناقشة الرسالة بقوله: «لقد قدر لهذه القاعة أن تشهد مولد مؤرخ جديد من المدرسة الاجتماعية للتاريخ». وإخلاصاً لهذا الاتجاه اتجه رؤوف عباس لدراسة الدكتوراة في موضوع «تطور الملكية الزراعية الكبيرة في مصر في مابين عامي 1837 - 1914» وهي الفترة التي شهدت نمو واستقرار ونمو الملكيات الكبيرة والتي كان نشوءها ثورة أحدثت علي المدي البعيد آثارا خطيرة في البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي لمصر الحديثة، فبقدر نمو الملكيات اتسع خطرها حتي احتاج الأمر إلي ثورة أخري لتصحيح الأوضاع وإعادة الاتزان إلي البناء كله. وتصدي رؤوف عباس لدراسة الحركة العمالية وكبار الملاك الزراعيين في مصر في أطروحيته للماجستير والدكتوراة فتح أمامه آفاقاً لمواصلة استكشاف الجوانب المختلفة لتاريخ مصر الاجتماعي تناولت في معظمها أبعاد المسألة الاجتماعية المصرية والبدائل التي طرحت لحلها. من هنا جاءت دراستها عن الحركة العمالية في ضوء الوثائق الانجليزية وحزب الفلاح الاشتراكي وحيازة الأراضي الزراعية ثم البحث في رؤي المسألة الاجتماعية.. ولأنها قدمت نموذجا فريدا للنقد الاجتماعي من داخل النظام الليبرالي الذي عرفته مصر من دستور 1923 حتي 1952 . واهتمام رؤوف عباس بتأسيس اتجاه في كتابة تاريخ مصر الاجتماعي في العصر الحديث لم يتوقف عند حد اختياره الدقيق لموضوعات تخدم هذه الاتجاهات، بل امتدت في إطار خطة علمية محكمة التنظيم برسائل الماجستير والدكتوراة التي أشرف عليها، فاهتمت الدراسات التي أشرف عليها والتي اختيرت موضوعاتها بعناية فائقة حتي تخدم المشروع الذي يعمل في إطاره، فاهتمت بالكشف عن دور الموظفين الأجانب والمصريين في ظل الإدارة المصرية، والاقتصاد المصري في ظل التبعية.. وأثر نظام الاحتكار وسقوطه في الاقتصاد المصري وسياسة الاحتلال الزراعية والسخرة وآثارها الاجتماعية والاقتصادية وصغار ملاك الأراضي الزراعية وهي موضوعات في غاية الأهمية. كذلك قاد رؤوف عباس اتجاها لاستعادة حقيقة ما حدث للمجتمع المصري خلال العصر العثماني- ثلاثة قرون - وإعادة رسم الصورة التي كان عليها اقتصاديا واجتماعياً وثقافياً.. عندما فتح المجال أمام مجموعة من الباحثين المصريين والمغاربة والأجانب لدراسة موضوعات مصر في العصر العثماني. وكذلك اهتم في السياق نفسه بترجمة الأعمال العلمية التي عنت بتاريخ هذه الفترة - والتي تمثل انقلابا علي المقولات التي نعتت العصر العثماني بالتخلف والجمود - منها «تجار القاهرة في العصر العثماني» لنيللي حنا والتي انتهت ان هذا العصر شهد مولد رأسمالية تجارية في المنطقة، أعادت بناء شبكتها التجارية العالمية الممتدة من ساحل المليار بالهند إلي المدن الإيطالية بأوروبا إلي السودان الغربي، وساهمت في صناعة السكر وتنشيط الزراعة، وما ارتبط بهذا من التحولات الاجتماعية وتغيرات في هيكل السلطة وتشابك المصالح بين رأس المال التجاري.. ولعل هذه الدراسة كانت وراء اهتمام رؤوف عباس بالبحث عن أسباب إخفاق الرأسمالية المصرية في تحقيق انجازات في الشرق مماثلة لتلك التي حققتها الرأسمالية التجارية في أوروبا. وهناك دراسات أخري في العصر العثماني اهتم رؤوف عباس بترجمتها منها «ثقافة الطبقة الوسطي في مصر العثمانية ق 16 - 18م» لنيللي حنا والتي طرحت مقولات من شأنها نسف مجموعة من الأفكار التي سادت بين المشتغلين بالتاريخ العثماني، عندما انتهت إلي أن وجود رأسمالية تجارية بالمنطقة في العصر العثماني والرخاء الناجم عن نشاطها أدي إلي بروز طبقة وسطة حضارية، ارتكز وجودها علي أسس اجتماعية واقتصادية واضحة، ولها ثقافتها المعبرة عن وجدانها ومصالحها. والتي اختلفت عن الثقافة الدينية السائدة، وبهذا تكون الدراسة صححت المقولات التي تمسك أصحابها بتقسيم المجتمع في العصر العثماني إلي طبقتين: الأولي وتعرف بطبقة الخاصة وتضم أهل السلطة من الحل والعقد من لاذ بهم من العلماء الكبار، أما الطبقة الأخري فهي طبقة العامة وتشمل كل ما عداهم من الناس بصرف النظر عن أوضاعهم المالية، وهو تقسيم يتسق مع مفاهيم «الاستبداد الشرقي» و«المجتمع ما قبل الرأسمالي» و«المجتمع الخراجي» والذي لا يعترف بوجود طبقة وسطي. وتمشيا مع هذا الاتجاه اهتم رؤوف عباس بترجمة أعمال لباحثين أجانب جاءت في إطار نظري غير مسبوق منها دراسة بيترجران عن «الجذور التاريخية للرأسمالية الإسلامية» ودراسة شارل عيساوي عن «الهلال الخصيب» ودراسة «أزمة مصر الاجتماعية والسياسية» لألكسندر شولش في الفترة «1878 - 1882». وقد تعدي التأثير الذي تركه رؤوف عباس في مدرسة التاريخ الاجتماعي في مصر التأليف والإشراف علي الرسائل العلمية والترجمة إلي المساهمة في تكوين جيل جديد كامل من خلال ترتيب المؤتمرات وحلقات النقاش والسيمنارات التي أجاد تنظيمها والتي استقطبت شباب الباحثين في التاريخ والعلوم الاجتماعية، ويشهد بذلك الأداء العلمي المتميز الذي تشهده أروقة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية منذ أن تولي رئاسة مجلس إدارتها، ومن قبل قسم التاريخ بآداب القاهرة عندما كان الرجل رئيسا له لفترتين متتاليتين. ونجح في تأسيس
سيمنار للتاريخ استقطب في وقت قصير كل المتهمين بالدراسات التاريخية بأنحاء المحروسة بعد أن ذاعت شهرته في دقة التنظيم واختيار الموضوعات التي كانت تعرض في جلساته نصف الشهرية. ولن أكون مبالغاً إذا كنت أقول إن هذا السيمنار تأثر به قطاع كبير من الباحثين في التاريخ والحضارة ممن هم علي الساحة الآن، وعندما أدرك ان هناك اتجاها لتجفيف منابع السيمنار قرر نقله إلي مقر جمعية الدراسات التاريخية - وخيرا فعل- حيث قدر له أن يستمر ويتخصص في العصر العثماني - بعد أن نمت علي هامشه حلقات نقاش وسيمنارات أخري متخصصة في تناول موضوعات أخري في التاريخ والحضارة. وهكذا جاءت دراسات رؤوف عباس ومشاريعه البحثية واهتماماته بالترجمة لأكثر من ثلاثين عاما في إطار رؤية لاستكشاف أبعاد تاريخ مصر الاجتماعي، مما جعله أحد أبرز رواد مدرسة التاريخ الاجتماعي في مصر والتي ستظل دراساته وخططه العلمية منطقاً لدراسة كثير من الموضوعات في تاريخ مصر الاجتماعي لأجيال قادمة. الجمعية التاريخية لقد استطاع رؤوف عباس ان يترك بصمة واضحة في كل المواقع التي شغلها، وكان له دوره المؤثر في النهوض بالجمعية التاريخية والوصول بها إلي بر الأمان بعد أن تعرضت للإفلاس وكادت محتوياتها تلقي في الطريق بعد أن رفع صاحب العقار الذي كانت تقطنه في البناية رقم 3 شارع ناصر الدين المتفرع من البستان قضية لطردها لعجزها عن سداد الإيجار، وعلاقة رؤوف عباس بالجمعية التاريخية التي كانت بيئته ومقصدها قديما فقد استفاد من مصادرها التاريخية وهو طالب بمرحلة الدراسات العليا بقسم التاريخ جامعة عين شمس عام 1962 وأفادها بعلمه وخبرته منذ انضمامه إلي مجلس إدارتها فكان بمثابة اليد اليمني لأستاذه الكبير أحمد عزت عبدالكريم في إدارتها والتلميذ الوفي لأستاذه، انضم رؤوف عباس لمجلس إدارة الجمعية بعد انتخابات 17/12/1979 ثم اختير أمينا للصندوق في 17/9/1992 وفي عام 1993 تولي منصب الأمين العام للجمعية وخلال ذلك بذل رؤوف عباس العديد من الجهود لتطويرها، وفي عام 1999 تولي رؤوف عباس رئاسة الجمعية خلفا للمرحوم الدكتور إبراهيم نصحي قاسم، وخلال ذلك توسعت علاقات الجمعية بالعديد من المؤسسات الثقافية خاصة المجلس الأعلي للثقافة ودار الكتب المصرية كما توثقت علاقتها بالعاملين في حقل الدراسات التاريخية والإنسانية علي مختلف أطرافهم سواء في مصر أو أوروبا وأمريكا حيث توافدوا علي الجمعية مشاركين في أنشطتها. ولجأ لبعض رعاة الثقافة في الوطن العربي طالبا مساعدة الجمعية في امتلاك قصر خاص بها بعد تعثر أحوالها المالية وعدم قدرتها علي دفع الإيجار المتأخر، ولقيت الجمعية استجابة وترحيبا من الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة فأهدي الجمعية مقرها الحالي في مدينة نصر بموجب عقد هبة تم توقيعه في حفل افتتاح الجمعية مساء الأربعاء 23 مايو عام 2001 بحضور كبار رجال الدولة ورموز الحياة الثقافية، وهكذا كان عشقه لمصر التي عملته.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.