لا شك أن الدكتور محمد مرسي في موقف لا يحسد عليه، سواء علي الصعيد الداخلي أو الخارجي، فالتحديات الماثلة أمامه تزداد تعقيدا بمرور الوقت، ويطالبه الجميع بتبديد المخاوف التي يبدونها ازاء النظام الجديد الذي وصل للحكم في مصر. ودأبت بعض الدول علي اللجوء إلي التقوقع في ظروف مشابهة، فتنكفئ علي نفسها، كي تصلح من أوضاعها واقتصادها، ثم تظهر علي الساحة الدولية في شكلها الجديد (نيو لوك). لكن الأوضاع الدولية، وموقع مصر ومكانتها، وظروفها الداخلية تمنعها من رفاهية التقوقع، وتجعلها في حاجة دائمة إلي الخارج، لا سيما علي المستوي الاقتصادي. وفي هذه الحالة تظهر الولاياتالمتحدة باعتبارها اللاعب الدولي الأهم علي مستوي العالم، من النواحي الاقتصادية والسياسية والعسكرية ايضا، بما يحتم علي الرئيس المصري الجديد مراعاة العلاقات معها، بشكل لن يخل من تنازلات برأي البعض. ورغم زيارة وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون مصر، منذ يومين، ولقائها بالرئيس محمد مرسي، إلا أن ثمة تعقيدات تبدو في الخلفية تمنع من تواصل كامل، يرغب فيه الطرفان. فالولاياتالمتحدةالامريكية مقبلة علي انتخابات رئاسية، يسعي فيها الرئيس الامريكي باراك اوباما الي الفوز بفترة رئاسية ثانية، الأمر الذي يدفعه، كغيره من مرشحي الرئاسة الامريكيين، في حاجة الي نفوذ اللوبي اليهودي هناك. وهنا تكمن المشكلة، بسبب حالة الذعر التي تبثها اسرائيل امام الراي العام العالمي من تداعيات وصول جماعة الاخوان المسلمين الي السلطة في مصر، وإبراز الانفلات الأمني في سيناء، ورصد كل التصريحات المتطرفة او العدوانية الصادرة عن قيادات الاخوان، لترويجها باعتبارها تعكس المنهج المتطرف للجماعة، بما يصب في صالح إسرائيل واللوبي اليهودي الموالي لها في مختلف أنحاء العالم، ويجعلها اكثر قدرة علي ابتزاز القوي العالمية، سواء من حيث المطالب السياسية او تزويدها بصفقات من احدث الاسلحة، بحجة الاستعداد للدفاع عن وجود اسرائيل. شروط أوباما وقد انتهز اللوبي اليهودي الفرصة للضغط علي اوباما في هذا التوقيت الحساس، ووضع عددا من المطالب، كشروط للتواصل بين الولاياتالمتحدة ومصر. ووصل الأمر إلي حد تعهد اوباما بعدم مقابلة مرسي، او حتي اجراء اتصال هاتفي معه، قبل تنفيذ تلك الشروط. وقال موقع «ديبكا» الإخباري الإسرائيلي، القريب من الدوائر الاستخباراتية الاسرائيلية، إن الرئيس الأمريكي باراك اوباما أبلغ الرئيس محمد مرسي بعدة مطالب كشرط لدعوته إلي زيارة البيت الابيض، ودعم مطالب مصر لدي البنك الدولي وتمويل مشروعات غذائية واستثمارية. وأوضح الموقع، في تقرير له الأسبوع الماضي، أن الشروط الأمريكية تضمنت ان يضمن مرسي حقوق المدنيين، لا سيما النساء والاقليات الدينية، خاصة الاقباط؛ وتشكيل حكومة ائتلافية تضم اغلب الاحزاب الفاعلة في مصر، لا تسيطر عليها جماعة الإخوان المسلمين؛ والحفاظ علي اتفاقية السلام بين مصر واسرائيل؛ واتخاذ مرسي خطوة عملية علنية للتصديق علي معاهدة السلام؛ وأن يشن مرسي حربا حاسمة ضد العناصر الارهابية الموجودة في سيناء، واعادة السيطرة المصرية هناك. وطالب اوباما ايضا بوقف الحملات المعادية للولايات المتحدة والغرب في مختلف وسائل الاعلام المصرية، ووقف الاجراءات المصرية ضد منظمات المجتمع المدني الغربية العاملة في مصر. ونقل الموقع الاسرائيلي عن مسئولين في واشنطن قولهم، إنه ما لم ينفذ مرسي تلك المطالب، لن تعمل الإدارة الأمريكية علي استغلال نفوذها في البنك الدولي لمساعدة مصر في مواجهة مشاكلها الاقتصادية المتفاقمة، وعلي رأسها نقص السيولة وتمويل الصفقات الدولية لشراء الغذاء، خاصة القمح. وقال الموقع ان الدكتور محمد مرسي يعلم ان مهمته الأولي هي جلب المال لمصر، وإذا لم يفعل وانتشر الجوع في المدن الكبري، سيكون انفجار المظاهرات المطالبة باسقاطه وجماعة الاخوان المسلمين مسألة وقت فقط. واضاف ان الرئيس الامريكي ابلغ زعماء اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدة بأنه حصل علي تعهد من مرسي باتخاذ خطوة علنية قريبا لتأكيد سريان معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. تكريم السفير وعلي طريقة الشد والارخاء، أقام نائب وزير الخارجية الاسرائيلية، داني أيالون، حفل وداع، تكريما للسفير ياسر رضا، سفير مصر لدي إسرائيل، بعد قضائه 4 سنوات في منصبه وانتهاء عمله هناك. وأشاد أيالون بالسفير المصري، قائلاً إن فترة عمله ساهمت بشكل واضح في تحسين العلاقات بين البلدين، رغم أنها كانت فترة مليئة بالتحولات والتحديات. واضاف مخاطبا السفير المصري: "لقد خدمت في فترة حرجة بالنسبة لمصر والشرق الاوسط والعلاقات بين البلدين، ونشكرك علي مساهمتك الفريدة لدعم العلاقات، وواثقون بانك ستظل شريكا حقيقيا لدفع العلاقات في اي منصب تتولاه". ونقلت الاذاعة الاسرائيلية عن ياسر رضا قوله ان اتفاق السلام بين مصر واسرائيل قوي للغاية، وقادر علي مواجهة العواصف المحيطة به، «وان جيلا جديدا ظهر في مصر، ولذلك ينبغي توسيع العلاقات في المجالات الاقتصادية والثقافية بين البلدين». وأكد السفير المصري ان حل القضية الفلسطينية سوف يؤثر بالايجاب علي العلاقات بين القاهرة وتل ابيب. وقدم نائب وزير الخارجية الاسرائيلية هدية للسفير ياسر رضا، عبارة عن غرس 18 شجرة باسمه في غابة السفراء القريبة من القدس. حضر الحفل، الذي أقيم في القدس الأسبوع الماضي، كبار مسئولي وزارة الخارجية الاسرائيلية، وعدد من الدبلوماسيين الأجانب والاسرائيليين؛ الذين وصفتهم صحيفة معاريف الاسرائيلية بأنهم اصدقاء مقربون من السفير المصري، ومنهم كريستوفر بيجو سفير فرنسا، وإسماعيل كوبديا سفير جنوب إفريقيا، بالاضافة الي افراد عائلة ياسر رضا، الذي قضي 4 سنوات في منصبه، ومن المنتظر أن يتولي سليمان عاطف، قنصل مصر السابق في إيلات، منصب السفير الجديد لدي إسرائيل. وحضر من الجانب الاسرائيلي نائبة مدير عام ادارة الشرق الاوسط بوزارة الخارجية، افيفا رازشيختر، ومديرة ادارة مصر اميرة اورون، ورئيس الهيئة السياسية ران كوريال، وعاران ليرمان، نائب مدير مجلس الامن الوطني الاسرائيلي. تعويض الجاسوس وفي وقت متزامن، وتأكيدا لسياسة الشد والارخاء من جانب اسرائيل تجاه مصر، طالعنا التليفزيون الاسرائيلي بتقرير يعلن فيه دعم اسرائيل لمساعي الجاسوس الإسرائيلي المحبوس لدي مصر، عودة ترابين، في اقامة دعوي قضائية ضد الحكومة المصرية، امام المحكمة الجنائية الدولية في هاج بهولندا، يطالب فيها باطلاق سراحه والحصول علي تعويض قيمته 100 مليون دولار. وذكرت القناة الثانية بالتليفزيون الإسرائيلي، الخميس الماضي، ان عودة ترابين، المحبوس منذ 12 عاما في مصر بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، سيقيم دعوي قضائية ضد الحكومة المصرية امام المحكمة الجنائية الدولية في هاج بهولندا، بواسطة محاميه، يطالب فيها باطلاق سراحه والحصول علي تعويض قيمته 100 مليون دولار. وقالت القناة ان فريقا من لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة حقق في ملف ترابين، وانتهت مؤخرا الي توصية قالت فيها ان ترابين تعرض لاعتقال تعسفي، ولم يخضع لمحاكمة عادلة، وانه يستحق تعويضات عما لاقاه، وينبغي اطلاق سراحه فورا. واضافت ان محامي ترابين، الذي اصدرت عليه المحكمة العسكرية بالاسماعيلية حكما بالسجن 15 عاما بعد ادانته بالتجسس لصالح إسرائيل، يعتزم استغلال تلك التوصية واقامة دعوي قضائية لمطالبة مصر بصرف تعويض لموكلهم. وكشفت القناة عن ارسال فريق الدفاع عن ترابين رسالة الي الدكتور محمد مرسي يطالب فيها بالافراج عن الجاسوس عودة ترابين بمناسبة شهر رمضان، او علي الاقل إعادة محاكمته. وورد في الخطاب الموجه الي الرئيس المصري: «باعتبارك كنت مسجونا خلال فترة الحكم القمعي السابق في عهد مبارك، دون ارتكابك اي اثم، يمكنك ان تتفهم بالطبع مرارة السجن ظلما، فقد تم اعتقال ترابين علي يد النظام القمعي السابق بدون اي سبب. ولا نتحدث هنا عن جاسوس، وانما عن راعي غنم اخطأ بعبور الحدود (من إسرائيل الي مصر)، ونطالب بان تعيد فحص ملف ترابين، حتي تكتشف انه لم يتعرض لمحاكمة عادلة، ولم يتم فحص اقواله وادعاءاته.. اننا نطالب سيادتكم بالافراج عن ترابين لدواع انسانية». وأشارت القناة في تقريرها الي قيام وفد من السفارة الإسرائيلية بالقاهرة بزيارة ترابين في محبسه، ونقلوا عنه قوله لهم: «أعلق كل آمالي في اطلاق سراحي علي النظام الجديد، وانا واثق بانهم سيدركون ان اعتقالي لم يكن عادلا». المخابرات تستعد وبينما تسعي اسرائيل الي الافراج عن أحد جواسيسها، تعلن المخابرات الاسرائيلية عن توسيع انشطتها في المنطقة العربية، لمواجهة دول الربيع العربي وتركيا، عبر زيادة عدد ضباط المخابرات والعملاء المتعاونين معها. فقد ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الاسرائيلية، الجمعة الماضية، أن المخابرات العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي تتوسع مع اتساع نطاق التهديدات التي تواجهها إسرائيل. وأوضحت أن عدد المشاركين في دورة لضباط الاستخبارات الاسرائيلية، التي انتهت يوم الخميس، ارتفع بنسبة 25% بالمقارنة مع الدورات السابقة. ونقلت الصحيفة عن مصادر في الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية قولها إن الزيادة في العدد تنبع من التغييرات الإاستراتيجية التي يشهدها الشرق الأوسط، وإن المخابرات الاسرائيلية بدأت تكثيف انشطتها في سبعة ميادين استخباراتية، من بينها سيناء، والسعودية، والسودان، وليبيا، وتركيا. وكشفت المصادر أن المخابرات الاسرائيلية تزيد من قوتها البشرية من اجل متابعة ودراسة ما أسمته «تيارات العمق»، لرصد العمليات والتفاعلات التي تحدث في الدول العربية، والعوامل التي تدفع الجماهير للخروج إلي الشوارع والمطالبة بثورة. وأشارت إلي وجود تغييرات في مجالات العمل في الجيش الاسرائيلي نفسه، من حيث التكنولوجيا والقدرات، خاصة مع اتساع مجال الحرب الألكترونية علي شبكة الانترنت (بما يتضمنه ذلك من تجسس، ووقيعة، وتوجيه للراي العام في الدول العربية). وكشفت الصحيفة أن الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية استعانت هذه المرة بنوعية من الضباط الجدد، مع دمج أكاديميين وذوي ألقاب علمية عالية وجنود بارزين في الدورة. ونقلت عن المصادر قولها «علينا أن نتابع ما يجري في الشارع العربي بالأدوات الجديدة التي أضيفت، وتشتمل علي جمع معلومات وإجراء دراسات يمكن من خلالها أيضا متابعة من يصوغ الرأي العام». ويمكننا أن نتخيل طبيعة الدراسات والمعلومات التي تسعي المخابرات الاسرائيلية الي جمعها عن مصر مثلا، فلن تكون في شكل معلومات عسكرية كما هو معتاد لدي غالبية المصريين، وانما سيكون الهدف في الفترة القادمة توجيه الناشطين والمواطنين نحو كل ما يضر مصر، وكل ما يشغلها بنفسها، وكل ما يمنعها من بدء مشروعها النهضوي والتنموي.. فهل ينتبه الجميع إلي الدعوات المتطايرة من كل جانب، ويتساءلون في هدوء: اذا سقط القضاء، فمن المستفيد؟! وإذا سقطت الشرطة، فمن المستفيد؟! وإذا سقط الجيش، فمن المستفيد؟! وإذا وقعت الفتنة، فمن المستفيد؟!.. وأخيرا.. إذا سقطت مصر، فمن المستفيد؟!