ضمن فعاليات العيد الخامس للأثريين والذي تم الاحتفال به يوم 14 يناير 2011م (يذكر أن الموعد السنوي للاحتفال بعيد الأثريين المصريين يتزامن مع ذكري تعيين د. مصطفي عامر أول رئيس مصري لمصلحة الآثار عام 1953، وهو نفس اليوم الذي شهد تمصير المصلحة، بعد أن كانت إدارتها خاضعة لرئاسة الأجانب)، كرم المجلس الأعلي للآثار ووزارة الثقافة اسم الفنان أحمد صدقي، ذلك الفنان المتميز الموسيقار والرسام متعدد المواهب، وقد تسلم نوط التكريم نجله الأستاذ اشرف صدقي. ولد الفنان أحمد صدقي في 4 من أكتوبر عام 1916 م، في مركز العياط بالجيزة، وتخرج في المدرسة السعدية الثانوية، ثم التحق بقسم النحت بمدرسة الفنون التطبيقية (أو الفنون الزخرفية وهي كلية الفنون التطبيقية الحالية)، متتلمذاً علي يد الأستاذ الايطالي "ميدوري"، ولقد تخرج في المدرسة عام 1935م. كما التحق أيضاً عام 1933م بمعهد فؤاد للموسيقي العربية (معهد الموسيقي العربية حالياً) لدراسة الموسيقي حيث تخرج فيه عام 1937م. كما التحق بمعهد ليوناردو دافنشي كذلك لدراسة اللغة الإيطالية، فقد كان يعد نفسه للسفر إلي إيطاليا لاستكمال دراسة النحت الذي كان يعشقه، وحصل علي شهادة إتمام الدراسة من ذلك المعهد في عام 1939م (تذكر بعض المراجع أنه تخرج في المعهدين عام 1939م)، ولكن سفره إلي إيطاليا باء بالفشل بسبب قيام الحرب العالمية الثانية. في عام 1936م، استطاع أن يعرض أعماله في معرض صالون القاهرة، وقد اشترك في هذا المعرض فنانون عرب وأجانب، وكان يحضره نقاد عالميون، فقدم فيه تمثالا له دعاه "محمد النوبي"، أعجب به الناقد الفرنسي "ميريل"، واشتراه الملك فؤاد بمبلغ مالي قدره عشرون جنيها. وفي حوالي عام 1939م عينه الأثري الدكتور "سليم حسن" رساماً ومثالاً في المتحف المصري، وهنا أخذ يدرس التاريخ والآثار جيدا، كما أخذ يعمق معارفه في علم الآثار بدراسة الكثير عن المصريين القدماء وثقافتهم وفنونهم، كما تعلم الخط الهيروغليفي من اللغة المصرية القديمة وأتقن قراءته إتقاناً تاماً الأمر الذي كان سبباً في تفوقه في عمله. ولقد استطاع خلال عمله أن يرسم أكثر من أربعين عملاً عن الآثار بالإضافة إلي نحت العديد من التماثيل والاشتراك بها في المعارض السنوية التي كانت تقام في ذلك الوقت. ولقد عمل أحمد صدقي مع كبار علماء الآثار، حيث اشترك في العديد من البعثات الأثرية التي عملت بدءاً من الهرم حتي الواحات الخارجة، وأهم هؤلاء العلماء الدكتور أحمد فخري، والدكتور سليم حسن، والدكتور عبدالمنعم أبو بكر، وكذلك عالم الآثار يونكر، والذي كان يصطحب أحمد صدقي كذراعه اليمني معتمداً عليه في رسم الآثار حيث كان صدقي يتمتع بيد حساسة ذات أصابع ذهبية تستطيع أن تنقل الأثر وتفاصيله كما هو. ومما لاشك فيه أن اختيار يونكر لأحمد صدقي راجع إلي إتقانه عمله، حيث كان يصر علي أن يرافق يونكر إلي داخل المقابر أو حجرة الدفن ليري الآثار والمومياوات بنفسه. ومن أجمل وأهم ما رسمه أحمد صدقي سقف كنيسة قبطية بمنطقة البجوات بالواحات الخارجة، حيث ظل رافعاً رأسه لأعلي مدة 19 يوما حتي يستطيع نقله، وهذا الرسم موجود حالياً بالفاتيكان، وعليه توقيع الرسام أحمد صدقي. كما شارك صدقي في معظم أعمال الحفائر والبعثات، وقام برسم الصور الأثرية لحوالي 45 كتابا في الآثار (هشام الليثي وآخرون، حراس الحضارة). وكان أحمد صدقي واحداً من أعلم الموسيقيين بالموسيقي في بلادنا وبمسيرة تطور الآلات الموسيقية منذ الفراعنة حتي اليوم، وكان يقول: إن المطرب في عهد الفراعنة كان يغني بأسلوب المشايخ، فيضع يده وراء آلاته، واصبعه بالقرب من فتحة الأنف حتي يركز الصوت. بدأت علاقة أحمد صدقي بالإذاعة مطرباً وملحناً لمختاراتها الغنائية وبرامجها التي كانت سبباً في شهرته، حيث كان صاحب أكبر نصيب في تلحين البرامج والصور الغنائية بالإذاعة لمدة طويلة، ولقد كان تحول أحمد صدقي إلي ملحن موسيقي غير مرتب منه، ويمكن القول انه يعود للصدفة ولرغبة الأقدار، وكان ذلك عندما طلب منه رئيسه بالمتحف المصري الأستاذ أحمد يوسف وكان شاعراً أن يدله علي ملحن يلحن شعراً مأخوذاً عن الفراعنة، فعرض عليه صدقي اسم الشيخ زكريا أحمد، فقال له يوسف إن الإذاعة سترفض لان أجره عال، فعرض عليه الشيخ محمد صبح، ولكن يوسف لم يقتنع بل قال له "أنت خريج معهد الموسيقي، وتعرف طقوس الفراعنة وعاداتهم، فخذ أنت الشعر لحنه وجرب"، عندئذ أربكته المفاجأة لأنه لم يجرب التلحين قبل ذلك، إلا أنه حاول، وجرب، ونجح، فخصصت له الإذاعة منذ حوالي عام 1941م ركناً أسموه "ركن الريف" كان يغني فيه ويلحن، وشاركه الغناء بعض زملائه أمثال كارم محمود وفاطمة علي وحورية حسن وغيرهم، واستمر الحال علي هذا المنوال لمدة خمس سنوات. ثم جاءته الفرصة الكبري عندما طلب منه المخرج الإذاعي "حافظ عبدالوهاب" تلحين الصورة الغنائية "فرحة رمضان" فلحنها، ، وبعد نجاحها قام بتلحين أعمال أخري مثل "الشاطر حسن"، و"قطر الندي"، و"راوية"، و"عوف الأصيل"، و"أم اشناف" و"سوق بلدنا"، و"عنترة" وغيرها. وقد لحن أحمد صدقي حوالي 140 مقطوعة غنائية، وكان يجيد التعبير عن معني الكلمة وكأنه يرسم بالموسيقي، وبدأت تنهال عليه العروض السينمائية، فلحن حوالي 110 - 150 فيلماً (حيث يتفاوت العدد في المراجع المختلفة)، وكان أشهرها أغاني ليلي مراد في فيلم "شاطئ الغرام" "يا مسافر وناسي هواك" و" بحب اتنين سوا"، كذلك لحن لها أغاني لأفلام "حبيب الروح" ، "من القلب للقلب "، و"بنت الأكابر"، ومن ألحانه أيضاً أغاني شادية في أفلام "في الهوا سوا"، و"أمال"، و"الهوا مالوش دوا"، وأغاني كارم محمود وشادية في فيلم "معلهش يازهر"، وأغاني شادية وبرلنتي حسن في فيلم "ظلموني الناس"، وأغاني شهرزاد في فيلم "أمير الانتقام"، وأغاني صباح في فيلم "خدعني أبي"، وأغاني نجاح سلام في فيلم "علي كيفك" (زين نصار، موسوعة الموسيقي والغناء في مصر في القرن العشرين). لقد قدم أحمد صدقي العديد من الألحان التي أوضحت موهبته وعبقريته، ومن هذه الألحان لحن "لحن ع الدوار" الذي تغنت به الجماهير المصرية في أعقاب اندلاع ثورة يوليو، وقد تغني به "محمد قنديل" وقد رددته الجماهير العريضة بمختلف شرائحها الاجتماعية (نبيل عبد الهادي شورة، قراءات في تاريخ الموسيقي العربي). ومن ألحانه كذلك "أوبريت يا ليلة من ألف ليلة" (1948م) للفرقة القومية للتمثيل والموسيقي من تأليف "بيرم التونسي" والتوزيع الموسيقي ل "محمد حسن الشجاعي"، وبطولة كارم محمود وشهرزاد، كما لحن أوبريت "يا ليل يا عين" (1957م)، والذي عُرض في مهرجان الشباب العالمي بموسكو في نفس العام، وأوبريت "البيرق النبوي" (1958م) لفرقة المسرح الشعبي، واستعراض "زباين جهنم" (1978م) للفرقة الاستعراضية الغنائية لمسرح البالون، والذي عُرض بعد ذلك في موسكو لمدة ثلاثة أشهر، كما اشترك في تلحين استعراض "القاهرة في ألف عام" (1969م) (عبد الحميد توفيق زكي، أعلام الموسيقي المصرية عبر 150 سنة). وبالإجمال يمكن القول أن أحمد صدقي قد لحن حوالي خمسة آلاف لحن، وابتكر سبعة أوزان موسيقية جديدة أضيفت إلي الموسيقي المصرية. كما عُرف أحمد صدقي كمطرب في أغنية "الصباح النادي" والتي مطلعها يجعل صباحك ربنا فل ونادي وهي من كلمات الشاعر "عبد الفتاح مصطفي" (عبد الحميد توفيق زكي، أعلام الموسيقي المصرية عبر 150 سنة). المناصب التي تولاها تولي أحمد صدقي عدة مناصب أهمها: رئيس لجنة الاستماع بالإذاعة والتليفزيون، وكذلك رئيس لجنة الاستماع إلي المقرئين. ولقد بقي متمسكاً بعمله في المتحف المصري رغم شهرته، إذ كان يعشق الآثار وكان مؤمناً بان العمل في مجال الآثار ليس عملاً وظيفياً، وظل يعمل بالمتحف المصري كبيراً للرسامين حتي بلغ سن المعاش. جائزة مختار في عام 1936م حصل صدقي علي جائزة مختار في النحت عن تمثال المرأة المصرية، فاشترته الدولة. وظل يحصد الجوائز لمدة أربع سنوات متتالية وكانت الدولة تشتري أعماله. كما فاز بعدة جوائز في النحت منها جائزة مختار عن تمثاله "المرأة المصرية"، كذلك فقد حصل علي جائزة تقديرية من الرئيس السادات، وعدة جوائز أخري من التليفزيون والإذاعة المصرية و كذلك من المجلس الأعلي للشباب والرياضة. في 14 من يناير عام 1987م، توفي أحمد صدقي إلي رحمة الله عن عمر يناهز ال 71 عاماً، بعد أن أثري المكتبة الموسيقية بآلاف الألحان التي حافظ علي طابعها المصري الأصيل، وحرص علي عمقها في التطريب، مثلها مثل كل إبداعاته في رسم الآثار، وأعماله الفنية.