عندما يتذكر الناس تاريخ وأدوار الدكتور أسامة الباز في الحياة السياسية والدبلوماسية المصرية سوف يبدأون عادة من بداية السبعينات عندما التقطه الوزير إسماعيل فهمي وزير الخارجية حينذاك ليكون مستشاراً له ثم وكيلا لوزارة الخارجية، كان هذا هو مدخل أسامة الباز الحقيقي للسياسة والدبلوماسية المصرية، وخلال عمله في وزارة الخارجية، اختاره نائب الرئيس السابق حسني مبارك مستشاراً له ومنذ هذا التاريخ ارتبط أسامة الباز بحسني مبارك نائبا ورئيساً للجمهورية ومستشارا له للشئون السياسية، غير أن أكثر علامة في تاريخ أسامة الباز الدبلوماسي كان دوره في مفاوضات كامب ديفيد وحيث كان الشخصية المحورية علي الجانب المصري في هذه المفاوضات، ومن يقرأ مذكرات الرئيس الأمريكي كارتر ومستشاره للأمن القومي برجنسكي ووزير الخارجية سايروس فانس، سوف يجد اسم أسامة الباز مترددا فيها باعتباره الشخصية التي تحوز علي ثقة الرئيس السادات ويختاره لكي يمثله في المفاوضات مع الجانب الأمريكي والإسرائيلي، هذه هي الأدوار التي يعرف بها أسامة الباز وتميز حياته السياسية والدبلوماسية، غير أن الظروف قد أتاحت لي أن أتعرف علي فترة لا يذكرها الناس كثيرا من تاريخه الدبلوماسي، ذلك أنه في عام 1968 عاد المستشار أسامة الباز من بعثته للدكتوراة في الولاياتالمتحدة، والتحق بمعهد الدراسات الدبلوماسية وهو المعهد الذي كان قد تأسس وبدأ عمله في أكتوبر عام 1966 وشارك في تأسيسه عدد محدود من شخصيات وزارة الخارجية، لكن بمشاركة عدد كبير من أساتذة الجامعات في شتي فروع المعرفة، ولم تمض أسابيع علي انضمامه إلي هيئة المعهد إلا وكان بانطلاقة وانفتاحه الثقافي قد جمع حولة الدارسين في المعهد وكانت الحلقات التي يعقدها معهم في نقاش مفتوح تكاد توازي المحاضرات والبرامج المنتظمة للمعهد، وباعتباري من أعضاء هيئة المعهد وأصغرهم سنا ودرجة وبحكم صلاتي اليومية بالدارسين فيه كنت في بداية التحاقهم المس ضيقهم من الدراسة في المعهد حيث كانوا قد تخرجوا لتوهم في الجامعات ويتطلعون إلي الانخراط في العمل المباشر في الوزارة غير أن الشعور ما لبث ان تغير وأصبحوا أكثر التصاقا واهتماما ببرامج الدراسة، وأستطيع أن أقول إن الفضل الكبير ي هذا يرجع إلي الحيوية والنشاط الذي بثها أسامة الباز في المعهد وتطويره لبرامجه من خلال علاقاته الشخصية بكبار الشخصيات الفكرية والثقافية المصرية الذين كان يدعوهم للالتقاء والحديث إلي الدارسين، مثل الدكتور يوسف عوض والدكتور حسين فوزي والدكتور أنور عبدالملك وآخرين من أقطاب الفكر والثقافة وبالمناسبة فقد وصل عدد كبير من الدارسين فيما بعد إلي درجة مساعد وزير ويتذكرون فضل المعهد ودور الدكتور أسامة الباز في تكوينهم وتهيئتهم لحياتهم الدبلوماسية المقبلة. أردت أن أذكر بهذه الفترة من تاريخ الدكتور أسامة الباز وإلي ترحيبه بالانضمام إلي هيئة معهد كان وليدا وقد يظن البعض انه كان في الظل بين أجهزة الوزارة وإدارتها ومازال المعهد يعمل في تدريب وتخريج عشرات الدفعات من الدبلوماسيين الشبان، وخلال هذا لم يفقد الدكتور أسامة صلته أو اهتمامه بالمعهد وحرصه علي الاستجابة لدعوات إدارته للالتقاء والتحدث إلي الدارسين ومن المفارقات ان المبني الذي عمل فيه الدكتور أسامة خلال سنواته في المعهد هو نفس المبني الذي شغله كمستشار للرئيس للشئون السياسية، وحتي وهو يشغل هذا المنصب ظل علي اتصال بالمعهد والدفعات الجديدة من الدارسين ويلبي الدعوات للتحدث إليهم من وقت لآخر حول قضايا السياسة الخارجية. وأتصور ان تقبل أسامة الباز في البداية للعمل في المجلس واستمرار ارتباطه به كان يرجع إلي ان المعهد كمركز أكاديمي وتعليمي يلبي اهتماماته الأكاديمية وميله إلي التحرر النسبي من القيود والارتباطات الرسمية وهو ماكان ينعكس حتي في تحركاته اليومية بل وفي بساطة ملبسه.