قبل أيام من عقد الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية الفرنسية والمقرر عقدها في السادس من مايو الجاري، بات من الواضح تزايد الهجوم علي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بعد أن اتهمه العديدون بتغيير خطابه لصالح اليمين المتشدد. ويتنافس في الدورة الثانية كل من نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، وكانت نتائج الدورة الأولي من الانتخابات قد أسفرت عن حصول ساركوزي علي المركز الثاني بعد حصوله علي 27.18 بالمائة من الأصوات مقابل 28.63 بالمائة حصل عليها هولاند. أما مرشحة الجبهة الوطنية اليمينة المتطرفة، ماريان لوبن، فقد حصلت علي 17.9 بالمائة من الأصوات، وحصل مرشح جبهة اليسار جان لوك ميلانشون علي 11.1 بالمائة، وحصل مرشح الوسط فرنسوا بايرو علي 9,13 بالمائة من الأصوات. وبلغت نسبة المشاركة في الجولة الأولي نحو 80%، وهي نسبة قريبة من النسبة العالية التي سجلت عام 2007 والتي بلغت 83.77%. تبادل اتهامات والتقي ساركوزي وهولاند في مناظرة متلفزة الخميس الماضي بدت كأنها صراع علي أصوات الناخبين من معسكري اليمين المتطرف والوسط. ومن المتوقع أن يلتقي المتنافسان في مناظرة أخيرة في الثاني من مايو الجاري، وصعد المرشح الاشتراكي فرنسوا هولاند من لهجته ضد الرئيس ساركوزي المنتهية ولايته، واتهمه بارتكاب انتهاك عندما سعي للحصول علي أصوات اليمين المتطرف. وقال هولاند إن خطابه سيقنع ناخبي الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة الذين عبروا عن غضب اجتماعي، ولكنه علي ثقة أن برنامجه الانتخابي سيتناول مطالبهم. وقال فرانسوا هولاند إن موقف نيكولا ساركوزي "هو هروب إلي الأمام. أي نوع من الجري وراء نظريات وكلمات الجبهة الوطنية. إنه خرق من قبل نيكولا ساركوزي". وركز ساركوزي، مرشح الاتحاد من أجل حركة شعبية، في برنامجه علي قضايا الجبهة الوطنية مثل الهجرة والدفاع عن حدود فرنسا وإدانة النخب. وقال ساركوزي إن الفرنسيين الذين صوتوا لمارين لوبن مرشحة الجبهة الوطنية ليسوا عنصريين، وأكد أن خطاب ماريان لوبن يختلف عن خطاب والدها جون ماري لوبن الذي كان يحض علي العنصرية وعلي الكراهية وعلي معاداة الأجانب. وأضاف أن ناخبي الجبهة الوطنية يرون أنه "لم يعد من الممكن أن يستمر الوضع أكثر من ذلك، ولا نحتمل الطريقة التي يتغير فيها العالم منذ ثلاثين عاماً نريد الاحتفاط بأسلوب حياتنا. نريد حدوداً ونريد الأمة". وفي المقابل، اتهم ساركوزي خصمه الاشتراكي بأنه حصل علي دعم 700 مسجد في فرنسا، وعلي دعم المفكر الإسلامي طارق رمضان. غير أن اللقاءات الصحفية مع هولاند أظهرت أنه لا يسعي بالضرورة إلي كسب تأييد المسلمين، وإنما يميل المسلمون إلي ترشيحه بسبب الخوف من ساركوزي. وأعلن هولاند أنه في حالة انتخابه سوف يعمل علي تشريع قانون يحدد حصة سنوية للوظائف التي يتولاها الأجانب القادمون من غير دول الاتحاد الاوروبي. كما أشار هولاند إلي أنه سيدعم ويطبق حظر ارتداء النقاب برغم امتناعه عن التصويت علي القانون عام2010. تكثيف الحملات الانتخابية وركز حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية في حملته في الدورة الثانية علي تكثيف الزيارات الميدانية خاصة إلي مدن سان سير سور لوار، ولونجيمو، وتولون، وكليرمون فيرون، وتولوز. كما أعلنت حملة نيكولا ساركوزي عن نية تنظيم مهرجان انتخابي ضخم بمناسبة عيد العمال في باريس في الأول من مايو. واقترح ساركوزي تنظيم ثلاث مناظرات حول مواضيع مختلفة، لكن فرانسوا هولاند رفض الطلب علي أساس أن العادة جرت في الجمهورية الخامسة علي تنظيم مناظرة واحدة فقط بين الدورتين. وستعتمد حملة ساركوزي علي المهرجانات الانتخابية في المدن المختلفة، وصرح جان فرانسوا كوبيه، الأمين العام لحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، لجريدة لوفيجارو " الشيء الذي تغير الآن هو أن جميع المهرجانات الانتخابية التي سينظمها ساركوزي ستكون منقولة مباشرة علي التلفزيون، وهذا سيسمح للناخبين بمقارنة برامج المرشحين ومعرفة من هو الأنسب والأفضل لهم". وفي المقابل، انتهج هولاند نفس النهج من تكثيف الزيارات الانتخابية للمدن المختلفة ومن الإعداد لمهرجانات انتخابية مثل المهرجان المزمع عقده بمناسبة عيد العمال في منطقة لانيفر حيث سيقوم بتكريم رئيس الحكومة السابق بيير بيروجوفوا الذي انتحر في أول مايو عام 1993 . خوف ناخبي الوسط وشهدت الحملة الانتخابية تحولا جذريا في خطاب ساركوزي مما أثار مخاوف الجناح الوسطي في الغالبية الحاكمة. وعبرت شخصيات مثل رئيس الوزراء السابق جان بيار رافاران ودومينيك دوفيلبان عن تحفظها حول استراتيجية ساركوزي وحول الضمانات التي يعطيها للتطرف اليميني. وقال أحد نواب الغالبية "إن ساركوزي يخطئ، الناس لم يصوتوا للجبهة الوطنية من أجل الهجرة بل من أجل العمل والقدرة الشرائية، وهو لا يتناول هذين الموضوعين". وقال نائب آخر إن الرئيس "تحول إلي فزاعة تبعد الوسطيين". غير أن حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية لا يزال يظهر كل التأييد لساركوزي علي الرغم من وجود شواهد متعددة تؤكد تراجع شعبيته. وقال النائب جاك ميار عضو تجمع "اليمين الشعبي"، وهو الجناج اليميني للاتحاد من أجل حركة شعبية، قال إنه "لا مجال للتهاون. لم نبرم اتفاقا مع الجبهة الوطنية، إننا نقوم بالصواب. إن أردنا الفوز، فهذه هي الاستراتيجية الوحيدة الممكنة". ومن جانبه، صرح رئيس الوزراء الأسبق جان بيار رافاران الذي يمثل التيار الإنساني في الحزب لصحيفة لوموند أن الرئيس ساركوزي هو الأفضل لحكم البلاد، وقال "في نظري الأساس هو المال العام. هولاند سيزيد العجز وساركوزي سيقلصه". خطاب إقصاء المسلمين وأدي توجه ساركوزي إلي تبني الخطاب اليميني المتشدد إلي إثارة قلق مسلمي فرنسا، وأظهرت نتائج الدورة الاولي للانتخابات الرئاسية الفرنسية أن المسلمين سيصوتون ضد نيكولا ساركوزي، وأنهم يؤيدون بشكل كبير المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند ومرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلنشون. وتشير نتائج الدورة الأولي في مقاطعة سين-سان-دوني في الضاحية الباريسية حيث يعيش غالبية المسلمين في فرنسا إلي تراجع شعبية ساركوزي من 26.85% في الدورة الأولي عام 2007 إلي 19.48% عام 2012. ويرجع المراقبون ذلك إلي تبني ساركوزي لقضايا تخص الهجرة والإسلام، وقانون منع النقاب والجدل حول اللحوم الحلال، مما جعل مسلمو فرنسا يشعرون أنهم مهددون. ودعا محمد حمزة، إمام مسجد الدائرة الثامنة عشرة في باريس، المسلمين إلي الدفاع عن "كرامتهم ضد الهجمة علي الإسلام" في إشارة إلي رفض مسلمي فرنسا لإعادة انتخاب ساركوزي. كما دعا اتحاد الجمعيات المسلمة علي موقعه علي الانترنت نداء من إمام مسجد السنة في برست يدعو المسلمين إلي التصويت للمرشح الذي يعتبر"أهون الشرين" بعد خروج مارين لو بن من السباق الرئاسي. غير أن عميد مسجد باريس، دليل بوبكر، طالب بعدم إقحام الإسلام في الانتخابات. كما دعا الداعية السويسري الجنسية، المصري الأصل طارق رمضان الفرنسيين للتصويت لنيكولا ساركوزي في إشارة ساخرة منه للتحول في خطابه نحو اليمين المتطرف، وقال علي موقعه علي الإنترنت إن علي مسلمي فرنسا وعلي الفرنسيين انتخابه "لإنقاذ فرنسا"، وأضاف أن "الرئيس الفرنسي الحالي يمثل الحظ والمجد والبركة التي لا حدود لها بالنسبة لفرنسا وأوروبا. ولذلك فإني اوجه نداء علنيا لكل الفرنسيين. لإنقاذ فرنسا: صوتوا لصالح نيكولا ساركوزي، نيكولا ساركوزي يجسد الكرامة! نيكولا ساركوزي يجسد الأمن! في فرنسا وفي ألمانيا وفي الخارج". وهذه هي المرة الأولي في تاريخ الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي لا يكون فيها الرئيس المنتهية ولايته متقدماً في الدورة الأولي من الانتخابات. وأظهرت استطلاعات للرأي أجرتها معاهد "إيبسوس" و"إيفوب" و"هاريس إنتراكتيف"، أنه من المتوقع أن يفوز فرنسوا بالانتخابات الرئاسية وأن يحصد 54.5% من الأصوات، مقابل 45.5 أو 46% لنيكولا ساركوزي ليصبح بذلك أول رئيس اشتراكي في فرنسا بعد الرئيس الراحل فرانسوا ميتيران الذي تولي الرئاسة بين عامي 1981 و1995 .