مساء السبت 31 مارس الماضي أسدل الستار علي المشهد الأخير لمهرجان مسقط السينمائي السابع.. وهذا في حد ذاته رسالة الي العالم أن المهرجان قد نجح.. ! وقد يتساءل بعض من تابعوا فعالياته : كيف يمكن أن نصدر الحكم بنجاح المهرجان وقد عاني من سوء التنظيم.. واعتذارات الكثير ممن وجهت الدعوة اليهم للحضور؟.. وهذا الضجر الذي انتشر كثاني أوكسيد الكربون في قاعة فندق قصر البستان خلال مشهد حفل الختام مع تلك الفقرات الطويلة والمملة والتي لاتخدم المهرجان لفنانين هنود ويابانيين وماليزيين.. وقاعات العرض شبه الخالية من الجمهور.. ! وتساؤلات هؤلاء تبدو منطقية تماما لمن لايدرون بعمليات تكسير العظام التي شهدتها العاصمة العمانية مسقط قبل أسابيع من تدشين المهرجان في الرابع والعشرين من مارس الماضي بهدف الغائه.. ! ولأنني قريب جدا من غرف صناعة القرارات المتعلقة بالمهرجان وعلي اطلاع بما يجري في كواليسه أدرك حجم المتاريس التي ظلت تلقي أمام منظميه وحتي المشهد الأخير.. لذا لاأبالغ ان قلت ان مجرد اقامة المهرجان في مثل هذه الأجواء المناوئة نجاح ليس للدورة السابعة وحدها.. بل للمهرجان بشكل عام.. ذلك أن هدف مناوئيه كان اقصاء المهرجان.. بل والسينما والفن من الذاكرة العمانية.. ولقد أدركت جمعية السينما العمانية ورئيسها المخرج الدكتورخالد الزدجالي مؤسس المهرجان وعرابه الخطر الذي يحيق به منذ البداية فكان المسعي الوصول بالدورة السابعة الي بر الأمان حتي لو بنصف بريق الدورات السابقة.. ذلك أن سقوط مهرجان هذا العام يعني أنه لن تقوم له قائمة بعد ذلك.. كانت حربا غابت تفاصيلها عن الكثير.. فقد عزفت الجماعات المناوئة علي وتر المشاعر الدينية.. وأمطرت العمانيين بالرسائل عبر أجهزة المحمول تطالبهم بمقاطعة المهرجان لأنه يعرض أفلاما تنشر الرذيلة والفسوق.. وحاولت ارهاب منظمي المهرجان باتهامهم بنشر الفسوق.. ! وكان نصب أعين الجميع مهرجان جدة السينمائي الذي صدر قرار الغائه عشية افتتاحه كما أخبرني المخرج السعودي ممدوح سالم.. فالكارهون للفن السابع في عمان كانوا يتطلعون بأمل في أن يكون هذا أيضا مصير مهرجان مسقط لو شددوا من حملتهم المناوئة للمهرجان ! والجمعية العمانية للسينما المنظمة للمهرجان وعلي رأسها خالد الزدجالي تلبسهم الفزع في أن ينهار المهرجان.. فان حدث ذلك فلن تقوم له قائمة خلال المستقبل المنظور.. تكسير العظام وبداية حرب تكسير العظام كانت حين أعلنت اللجنة المنظمة عن اقامة فعاليات المهرجان في جامعة السلطان قابوس.. وأن المطربة نانسي عجرم سوف تحيي حفل الافتتاح.. مما أثار غضب بعض شباب الجامعة من ذوي الاتجاهات المحافظة وبدأوا في التحريض علي منع اقامة المهرجان في الجامعة.. وكان من السهل استخدام ورقة "نانسي " لنسف المهرجان.. فكيف يسمح لامرأة مثلها تتعري وتتلوي في غنائها أن تلوث محراب الجامعة ب "فسقها".. ! ولقد بذل الزدجالي جهدا مضنيا لنشر فكرة أن السينما فن ذا تأثير خطير ويمكن أن تكون وسيلة جيدة في مجالات التنمية بل والدفاع عن قضايانا العربية.. وخلال كلمة الافتتاح استعان بنتائج دراسات البروفيسور جاك شاهين الأستاذ بجامعة جنوب ألينوي عن سينما هوليوود والتي نشرها في أربعة كتب آخرها كتاب " العرب السيئون " للتأكيد علي الدور الخطير الذي تلعبه السينما في تشكيل الرأي العام.. حيث نجحت هوليوود عبر ما يقرب من ألف فيلم عن تشكيل صورة نمطية للعرب في الوجدان الغربي لاعلاقة لها بالواقع.. فسوقت العربي في المخيلة الجمعية كبدوي متخلف.. مناوئ للحضارة الحديثة لايشغله سوي أن يغير علي الآخرين.. يسلب ويسبي النساء.. ! وفي كلمة حفل الختام واصل الزدجالي الحاحه علي أهمية السينما.. وهذه المرة استشهد ببريطانيين عظيمين.. الأول هو المؤرخ الشهير ستيفن وينسمان الذي أنصف العرب خلال كتابه تاريخ الحملات الصليبية.. مبينا كيف أن صلاح الدين الأيوبي حين دخل مدينة القدس منح الصليبيين الأمان وأعفي أسراهم غير القادرين من دفع فدية العتق.. وأن أخاه العادل أفدي من ماله الخاص 20 ألف أسير صليبي.. الا أن ما كتبه وينسمان كما قال الزدجالي لم يصل الا لعدد قليل في الغرب.. ولم يكن مؤثرا كما وكيفا مثلما فعل مواطنه المخرج البريطاني ريدلي سكوت خلال فيلمه " مملكة السماء " الذي عالج نفس القضية الحروب الصليبية وما أحيط بها من مغالطات حول وحشية العرب والمسلمين.. وحول الهدف من الحملات الصليبية.. وخلال مشهد جمع بين الحداد وصديقه القائد الصليبي في الفيلم قال الأخير : أخبروني في أوروبا أنهم يأتون الي هنا من أجل الرب.. لكنني حين أتيت اكتشفت أنهم جاءوا من أجل الثروة والأرض !.. ولأن الفيلم شاهده مئات الملايين عبر العالم من جميع الشرائح فقد كان تأثيره أقوي بكثير من تأثير كتب ستيفن وينسمان.. وماكان يلح عليه الزدجالي خلال مقارنته تلك وكل ما قاله في كلمتي الافتتاح والختام والمؤتمر الصحفي الذي شرفت بادارته واحتشد بأكثر من مئة اعلامي وسينمائي.. حتي أن بعضهم تابع فعالياته وقوفا.. إن السينما هي كتاب العصر الأكثر تأثيرا والتي ينبغي أن نستخدمها بفعالية سواء لنشر القيم الايجابية بما يخدم طموحنا التنموي أو مواجهة الميديا الغربية التي تحاول طمس الحقائق فيما يتعلق بقضايانا القومية.. حملة مضادة فهل نجح الزدجالي في حملته المضادة لإقناع المجتمع العماني بأهمية السينما ؟ نعم.. ورغم تمكن مناوئيه من الحصول علي فتوي دينية بتحريم ما يحدث.. الا أنه بدا مثل قبطان عانت سفينته من الأنواء والأعاصير التي أصابت السفينة ببعض الأضرار.. لكنه نجح في الوصول بها الي شاطئ الأمان.. وحفل الختام كان هو الشاطئ.. ولا أظن أن الزدجالي مهما كانت مهارته كان يمكن أن يصل الي شاطئ الأمان بمهرجانه لولا الموقف المستنير للمسئولين العمانيين وما منحوه من دعم أدبي ومادي للمهرجان.. وكان من السهل أن يصدر قراا من الجهات العليا بإلغائه.. لكنهم عالجوا الأمر بحكمة.. ورأوا نقله الي فندق قصر البستان.. صحيح أن ذلك ألحق بعض الخسائر بالشركة الراعية التي راهنت علي اتساع مسرح جامعة السلطان قابوس.. حيث نجحت في تسويق أكثر من ألفي تذكرة لحفل الافتتاح.. لكن نقل المهرجان الي فندق قصر البستان جعلها تعيد نصف التذاكر للجمهور نظرا لضيق مسرح الفندق.. الا أن تلك الخسائر يقينا أقل فداحة من الغاء المهرجان.. ولقد بذل المنظمون جهدا كبيرا لإقامة المهرجان في دار الأوبرا العمانية.. وهي صرح ثقافي يندر وجود مثله في العالم من حيث أناقته واتساعه والتجهيزات الفنية الملحقة به.. الا أن تلك الجهود لم توفق.. الأمر الذي دفع الزدجالي الي أن يقول بمرارة ردا علي سؤال حول هذا الأمر : الأوبرا ليست لنا.. ! وكان يعني أنها محجوزة ولشهور عديدة لحفلات يحضرها الأجانب من أوروبا وأمريكا ! الا أنه يبدو أن اشكالية المكان لن تكون عائقا أمام تنظيم المهرجان مستقبلا.. حيث يجري الآن وعلي نفقة الدولة تشييد مقر لجمعية السينما العمانية تضم قاعات ضخمة للعرض وأماكن لإقامة الضيوف.. المهم أن يدرك المناوؤن للسينما أنها فن جميل وايجابي.. يمكن أن يكون مؤثرا في تحديث المجتمع من خلال نشر القيم الايجابية.. فيكفوا عن حرب تكسير العظام التي أشعلوها ضد المهرجان والسينما العمانية الوليدة بشكل عام . حكاية عمر الشريف وليس هؤلاء الشباب الذين يرون في السينما طريقا مفروشا بالورود الي جهنم وحدهم الذي يمكن وصفهم بالغائب الحاضر والمؤثر في أحداث المهرجان الي حد التهديد بنسفه من الذاكرة العمانية.. كان هناك النجم العالمي عمر الشريف الذي اعتذر عن عدم المشاركة الا اذا حصل علي مئة ألف دولار.. وقيل 200 ألف.. وماكان عمر الشريف مطلوبا للمشاركة في أي شيء سوي الصعود الي خشبة المسرح لتكريمه.. ! فكيف يطالب بهذا الثمن الباهظ مقابل تكريمه.. ! وكيف لايضع في اعتباره أن فناني دولة عربية شقيقة يسعون الي التأسيس لصناعة سينما.. ويرون في حضوره دعما معنويا لطموحهم !! أسئلة كثيرة استنكارية تداولت بين السينمائيين العرب خلال المهرجان.. بالطبع كان هناك آخرون اعتذروا.. لكن بسبب ارتباطاتهم أو ظروف أخري قاهرة حالت دون حضورهم.. ولم يكن هروبا أو استخفافا.. مثل النجم الكبير نور الشريف وهو صديق شخصي لعراب مهرجان مسقط الدكتور خالد الزدجالي وساهم منذ البدء في اطلاق الدورات الأولي للمهرجان.. وقد أثني الزدجالي خلال المؤتمر الصحفي موقف نور وجهوده غياب وحضور وغاب صناع الفيلمين المصريين " الشوق " و " أسماء " لكن حضورهم كان نافذا من خلال الفيلمين اللذين حازا علي اعجاب السينمائيين والمشاهدين.. فالأول انتصر للمرأة المقهورة في ظل مجتمع تشيع فيه الثقافة الذكورية.. والثاني انتصر للانسان الذي يبنده المجتمع ضمن فئة المواطن المنقوص في صحته وأخلاقه لأنه مريض بالإيدز..لذلك ينبغي نبذه وحرمانه من حقه الفطري في أن يعالج.. ! وفيلم الشوق واحد من خمسة أفلام شاركت في المهرجان توحدت جميعها حول قضية واحدة.. قضية المرأة العربية.. وما تتعرض له من قهر في ظل هيمنة الثقافة الذكورية في عالمنا العربي.. والأمر لايخرج عن كونه مصادفة.. لكنها مصادفة حميدة.. حيث جذبت الأفلام الخمسة اهتمام الجمهور.. مما دفعني الي أن أقترح علي رئيس المهرجان تنظيم مؤتمر صحفي حول هذه الأفلام بشكل خاص والسينما والمرأة بشكل عام.. .. ولم يكن مؤتمرا واحدا.. بل مؤتمرين أسندت لي مهمة ادارتهما.. الأول مع النجمة نادية الجندي التي تم تكريمها في حفل الافتتاح.. والثاني مع الفنانة السورية واحة الراهب مخرجة فيلم " الهوي " وهو أحد الأفلام الخمسة.. ويعالج قضية المرأة المطلقة والتي يراها الذكور لحما رخيصا سهل افتراسه..وشاركت في المؤتمر الفنانة عبير صبري عضو لجنة التحكيم والفنانة السورية نيفين.. وقد تجاوز المؤتمر الثاني ماهو مخطط له في أن يكون مؤتمرا صحفيا ليتحول الي ندوة تفاعل فيها الاعلاميون خاصة مع الفنانة واحة الراهب ربما بسبب ما تتمتع به من مرجعية معرفية و رؤي عميقة لقضايا المرأة وربطها بالاشكاليات القومية.. حيث لم يكتف الاعلاميون بطرح الأسئلة.. بل شاركوا عبر مداخلاتهم بآرائهم الذي اتسم الكثير منها بوعي بأبعاد أزمة المرأة العربية.. لكن بالطبع تلك المؤتمرات الصحفية لم تكن أبدا بديلا عن المناقشات حول الأفلام المشاركة عقب الانتهاء من عرضها.. حيث لم يفتح باب النقاش حول أي من هذه الأفلام مثلما كان يحدث في مهرجان 2010وتلك احدي نواقص مهرجان 2012 والتي ينبغي تجنبها خلال الدورة المقبلة باذن الله .