هذه الكلمات الأولي من كلّ دستور سبق أن كتبناه أو سوف نكتبه، لم يكن لدينا من قبل إخوان مسلمون ولن يستمرّ هؤلاء ولاأحد يستطيع أن يحدّد قدراتنا علي التنبّؤ بما قد نكونه! بالطب أوبغيره يبشّرنا التقدّم الإنساني أنّنا قد نتمكّن في نهاية الأمر من تجنّب قدرنا الوراثي .لاريب أنّ المجادلات المحمومة حول لجنة إعداد الدستور مقصود بها إلي جانب جذب انتباه الشعب وتعطيله وإلهائه وإغراقه ( ولاأحد يعاني غيره ومثله)، لتلمّح لتلك الأحداث الاستخدامات ممّا يقوم به الإخوان والسلفىّون ، وإلي ذلك الغموض الذي يلفّون به تعريف الشعب . مادامت الأغلبىّة مسلمة ف" ليتأخون " و"ليتأسلم" كلّ مافيك يامصر! حقيقة لن يكون الأمركذلك ولاأستطيع أن أؤكّد متي تفرغ الجعبة؟ وآخر ماأفرغ منها ترشيح رجل المهامّ السرىّة القوي نائب المرشد العام للجماعة، المهندس خيرت الشاطرلرئاسة الجمهورية . شاركوهم أيضا في السجون ليصدّق المصريون ألاّ يصدّقوا ما يقوله الإخوان، وليعرف كلّ الناس أنّ أولئك الذين يتعرّضون للشرور يفعلون الشرّ هم أنفسهم. وأن يكون المرء قد اضطهد ، ليس بالضرورة أن يكون أفضل حماية من أن يضطّهد الآخرين . وإنّي لأقول بكل ّ سهولة إن الشيوعيين وكثيرًا من الديمقراطيين شاركوهم السجون والمعتقلات والتعذيب ، ثمّ أجرؤ علي القول بأنّ كلّ السلطة تفسد " هل أذكّركم بالذي ظهر يفتح باب « B.M.W» للكتاتني ! اللهمّ لاحسد لكن لا يأكل عقولنا ولاأوهامنا أحد بالذي ينام تحت ظلّ الدوح مشتملا ببردة كاد طول العهد يبليها . ولأن أكون منصفا ومنتقدا في آن واحد، أجدني متعاطفا بشكل عام مع الذين قاموا بالثورة وليس مع أولئك الذين يحاولون سلبها منهم ومنعهم من الاستمراربها كائنا من يكونون . تحيا ثورة 25يناير التي لم تفز بعد أو تحكم، ولايستطيع أحد أن يحدّد لها الزمان الذي يمكن فيه أن تنجزنا ما تعد (حرّية- كرامة- عدالة)، أو حتّي تشفي صدورنا ممّا وجدنا وممّا نجد.. من ظلم وفساد وتواضع للثقافة ، وسيادة للغة التسلية والشراك التي تنصبها ممارساتها بما يحجب المشكلات الحقيقية ويولّد الزائفة. نعجز في كلّ حالة أن ننشئ معيارا، يحدّد ما إذا كانت مشكلة الجدل حول تشكيل لجنة إعداد الدستور والانسحاب منها ، أوتعديلها بالإحلال أو إعادة تشكيلها ..كلّ هذا له معني حيوي يقيني أم أنّه لغو وشقشقة إعلامية أو صحفية أو برلمانية ! نفشل في مساعدة الجماهير علي إدراك أىّ المشكلات لها أهمىّة حقّة بالنسبة لآمالها وطموحاتها؟ نقرّب إلي أذهان الناس مايمكّنهم من التمييز بين ألوان الغموض والخطأ السائدين في الزمان الحرج الذي نمرّ به !وأهمّ مايقلق، هذا التناقض الحادّ بين النجاح في إزاحة رأس النظام المنسوب إليه الاستبداد والفساد ليتلو ذلك ومباشرة اخفاق اجتماعي ملحوظ يتمثّل قبل كلّ شيء في أنّنا لن ننجح في تحقيق مطالب شعب نفشل في تنظيمه من أجل المطالبة بها وحمايتها! وحتّي الآن تضطّرب الخيارات والقيم التي تتضمنها، وكيف يمكن بلورتها لصياغة سياسة متماسكة .ونعيش منذ نجاح الثورة ظاهرة مفكّكة متطايرة اجتماعيا تحتشد الآن بمايثير التعجّب :برلمان تسيطر عليه أغلبية من الإخوان المسلمين والسلفيين ، ولجنة لإعداد الدستور علي شاكلة برلمانهم، ثم ّيستثار الهزل من تلقاء نفسه بتقدّم أكثر من سبعمائة مرشّح لرئاسة الجمهورية ليتأكّد التطاير والتفكّك مابين التربي والمسحّراتي ومقتني المخدّرات والمناضل والليبرالي والإسلامي !ولمزيد من التطاير والتفكّك يعلن البعض عن استقلال بورسعيد بدلا من إدماج مشاكلها الأخيرة فيما تعانيه مصر كلّها.. ثمّ يتقدّم الشاطر ليلقي عصاه! أزمة الليبراليين واليسار هي أزمة الليبرالية يظهرها ويجلّيها فوز التياّر الإسلامي، وفي القلب من هذا الفوز الصعوبة التي يواجهها اليسار الجديد في الوصول إلي الجماهيرعلي الرغم من أنّه كان أكثر نضالية أيام يناير وكان يضمّ بين صفوفه مثقّفين أكثر ! والأمر لايزال في بدايته رغم مرور سنة علي قيام الثورة ، والقطع النهائي مع كل أشكال الفساد الإداري والسياسي والديني والاقتصادي لن يحقّقه مجرّد اسقاط مبارك . وبالتأكيد لكي تصبح مصر ذلك المجتمع (حرية - عدالة - كرامة ) فلايزال علي اليسار الجديد تسوية أمر الماضي حتّي وهو يشارك في صياغة الجديد . وكانت الأحكام والأسلوب قبل يوليو 1952 استجابة خلاّقة وانسانىّة لضغوط الاستعماروالملك والبلاط ومظالم الإقطاع الذين لم يكن لديهم إلاّ القليل ممّا يمكن أن يخدع بتهيئة مصر لليقطة السياسىّة والاجتماعىّة. يمكن أن نقول إنّ مصر كانت مستعدّة إلي النخاع لتقبّل الليبرالية والديمقراطية بما يشبه ذلك المؤسّس عبر الأطلنطي في الغرب، حين فاجأها طلوع عبدالناصر وضبّاطه الأحرار. وهؤلاء كانوا علي العموم من مثقّفي البرجوازية العجولين والضبّاط الشباب، وكانوا في الأغلب ثوّارا تحرّكهم مشاعر غامضة غير متماسكة من الراديكالية والقومية حتّي بعض العنصرية. وذات يوم لعب المنظّرون السوفييت بمفهوم الوطنية الديمقراطية وحلم خووشوف بنقط حمراء كثيرة في أفريقيا والشرق الأوسط حيث تهب ثورة عارمة ضد ّ الاستعمار، ومالبث الحلم أن تبدّد بالإطاحة ببن بيلا وغولار وقاسم ونكروما ولومومبا وباباندريو وسوكارنو وهزيمة عبد الناصر سنة 1967، والقصّة مابعد عبد الناصر لاتزال قريبة من وجدان المصريين. وكان لابدّ أن يستمرّ التغيير، واستمرّ الآلاف من المصريين يتظاهرون رغم المحاولات المستميتة لقمعهم ضدّ الفقر والبطالة والغلاء والفساد ويطالبون بالإصلاح .. ولم تكف الحركة الدائبة جيئة وذهابا منذ عرابي في عصرنا الحديث، و كان المصري يقول هناك يوم سيأتي حين كان آخرون يعتقدون أنّ ماوقع في 25يناير 2011 هو سحر أومكافأة من السماء علي الصبر والتحمّل . أجل ! كان المصريون رغم الكثير الذي يمكن أن يؤاخذوا عليه يفعلون شيئا مثلما تحاول كلّ الشعوب للنجاة من الظلم والفساد. كانت أمامهم سحابة غبار تشكّلت في تاريخهم المعاصر علي مدي ستين سنة ثمّ أسرعت متوعّدة خلال الثلاثين سنة من حكم حسني مبارك ولم يعد هناك شكّ بأنّها الطريق. قال مبارك عن البرلمان الموازي الذي شكّله المصرىّون بميدان التحرير بديلا عن ذلك الذي زوّر انتخاباته: خلّوهم يتسلّوا ! لكنّ الحركة الدائبة جيئة وذهابا، ذلك المصير الآلي والذي لا غني عنه لشعب من شعوب الأرض، مالبثت أن انتصبت تسليتها في ميدان التحرير وميادين مصر الأخري وكأنّها لوحة إعلانات رفعت لتغطّي أرض مصر بنموذج جديد للمستقبل . وبدأ مانطلق عليهم "النّاس العاديون " في الشوارع والميادين يمرّون ببعضهم بعضا جامعين غبارهم ، تصل بهم حركتهم واصطدامهم وسقوطهم جرحي وشهداء، إلي موقف شديد الشعور بالذات، شديد التساؤل، شديد الانتباه إلي كلّ مايبدر من الإنسان المصري من لفظ أو حركة . كانت لديهم فكرة واضحة لا عن النظام الدستوري الذي يودّون بناءه، وليس فقط عن الذي يريدون تحطيمه، وبأن ذلك النظام الجديد يعود مرّة أخري ليستعيد شبها ليس بالقليل بذلك المؤسّس في العالم منذ مائتي عام . القطع مع جمهورية الظلم والفساد والاستبداد نحو جمهورىّة القانون والأمان، ولأجل أن يتفرغ الشعب الي ما هو أعظم، من قضاء يومه حصولا علي رغيف خبز أنبوبة غاز ولتر سولار وبنزين. لكنّ هذا الموقف حين ينشأ لايعمل حرّا طليقا، فشبكة المؤسسات المصرىّة تمنعها اعتبارات كثيرة موروثة ممتدّة في الزمان والمكان. يامن تدّعون نصرة من في السماء ! أرجوكم لاتستهويكم التسلية بالضعفاء والمساكين وسكّان العشوائيات وأحواش الموتي والعائمين في مياه الصرف الصحي وكلّ ما يبقي علي مشاعر ميدان التحرير حية نابضة! فمصر معظمها شباب هو أيضا وسط الإخوان والسلفيين، سينجح في بذر التغيير والذي يستمدّ نبل أهدافه وأفكاره وقوة تنظيمه من احتياجات شعبه القادرة علي تحريك طوفان من البشر لاستكمال الإطاحة بالنظام الساقط المنهار والنظام المتأسلم الصاعد علي جرف هاو.