السينما المصرية مصابة بنوع من تصلب الشرايين، وعدم القدرة علي التجديد، وتزداد حالتها سوءاً مع الأيام حتي تكاد تعتقد ان قدرتها علي الابتكار والتجديد قد توقفت نهائياً، بحيث لم تعد تنتج من الألوان المتنوعة من فنون الدراما إلا الكوميدي والأكشن فقط!وفيلم "رد فعل" الذي أخرجه حسام الجوهري يخرج من هذا الإطار، وتشعر من الوهلة الأولي أنك أمام فيلم مُختلف، ينتمي إلي السينما البوليسية بما تحمله من إثارة وتشويق، لكن كلما أوغلنا في تفاصيل الأحداث زادت الصدمة، وارتفع معدل الإحباط، وانتابك شعورا بأن أصحاب الفيلم ضحكوا عليك، وأن ما تراه علي الشاشة هو شغل مراهقة فنية لا علاقة له بالاحتراف والكلام اللي بجد. درجة ثالثة ويبدو أن كاتبي السيناريو وائل أبوالسعود، وإيهاب فتحي من محترفي مشاهدة أفلام الدرجة الثالثة الأمريكية، التي تدور حول الجرائم المتسلسلةserial killer أي تلك الجرائم التي يقوم بها شخص واحد، لسبب ما لا بدون أن يكون منطقياً، حتي لو كان القاتل يعاني مرضا نفسيا، أو يسيطر عليه هوس ما إما أن يكون جنسياً، أو رغبة في تحقيق عدالة غائبة، أو انتقام من أشخاص تسببوا في ظلمه أو إيذائه! المهم أن يكون الدافع للقتل منطقيا، ولو بدي الأمر كله غير منطقي! ولا أري أي مانع من سرقة البعض للأفلام الأمريكية أو الهندية أو من اي سينما اخري، بشرط أن تكون السرقة او الاقتباس متقنة، ولكن الحقيقة أن فيلم "رد فعل" هو نموذج لحالة من البلادة الفنية والاستسهال التام، ولا يهمنا هنا نوايا صناع الفيلم بقدر ما يهمنا ما تابعناه من مُنتج سينمائي شديد الضعف!وكان الأحري بكاتبي السيناريو ومعهما المخرج بذل بعض الجهد في مشاهدة عدد من كلاسيكيات السينما العالمية أو حتي المصرية المقتبسة من افلام أمريكية مثل تلك التي كان يقدمها مخرجنا الراحل كمال الشيخ، مثل «الليلة الأخيرة» أو" لن أعترف"، "الخائنة"، "من أجل إمرأة"، أو قراءة بعض الروايات البوليسية لأجاثا كريستي، التي تضم عشرات من جرائم القتل التي يشيب لها شعر الولدان، وتقوم في نفس الوقت علي منطق ما، بحيث لا يبدو القاتل وكأنه شخص أهبل بيقتل وخلاص، فلكل قاتل مبرراته مهما كانت ضعيفة! ومن أهم الافلام التي قدمتها السينما الأمريكية في هذا المجال فيلم سايكو للعبقري "الفريد هيتشكوك" وهو النموذج المثالي للقاتل المُرتبك نفسياً، الذي يقضي علي ضحاياه الواحد تلو الآخر بدم بارد وأعصاب فولاذية! أو فيلم "الخطايا السبعة "الذي لعب بطولته براد بيت، مع مورجان فريمان وكان القاتل في هذا الفيلم هو كيفين سباسي المهووس دينياً الذي ينتقي ضحاياه ممن ارتكبوا "من وجهة نظره"واحدة من الخطايا السبع المعروفة! بمعني أن الافلام البوليسية تحتاج الي ثقافة ومعرفة بخبايا النفس البشرية، وتحتاج أيضا إلي مهارة خاصة في فن كتابة السيناريو، لكن ما الذي قدمه صناع فيلم "رد فعل"! مجرد جرائم متكررة يقوم بها شخص واحد،لاسباب بالغة الضعف والركاكة! مع استمتاع طفولي بإثارة خوف المشاهد وكأنك تختبئ في الظلام ثم تظهر فجأة لتقول لواحد "بخ " وترفص الضحك لأنك أوصلته لحالة من الذعر!بس طبعا ده مالوش علاقة بمعني السينما البوليسية! التشريح تبدأ أحداث فيلم "رد فعل" بجريمة تذهب ضحيتها سيدة عجوز، كانت يوماً ما نجمة سينمائية، حيث يباغتها القاتل ويخنقها بسلك، حتي تلفظ أنفاسها، ثم ينتقل السيناريو الي محمود عبد المغني وهو طبيب تشريح، يقود سيارته متجهاً الي المطار، لاستقبال ابنة خالته "حورية فرغلي" التي تعيش في امريكا، وحضرت خصيصاً الي القاهرة لتكمل رسالة دكتوراه عن أسباب الجريمة العائلية في مصرومقارنتها بجرائم المجتمع الامريكي. وفي الطريق للمطار يقدم المخرج بعض مشاهد "فلاش باك" سريعة، عن طفولة محمود عبدالمغني، التي يبدو أنها كانت تعسة، حيث توفي والده في حفل حضره مجموعة من الأشخاص، ويتكرر هذا المشهد أكثر من مرة، ولكنه لا يحمل اي مبررات تجعل الطفل الصغير"محمود عبدالمغني" يشعر بالعذاب والقهر لوفاة والده، فعدد لابأس به من الأطفال مات عنهم والدهم دون أن يترك هذا الحدث غصة في نفوسهم عندما يكبرون، إلا إذا جاءت الوفاة نتيجة حادث مقصود أو نتيجة الاعتداء عليه من أشخاص بعينهم، ولكن هذا لم يحدث في حالة محمود عبد المغني، الذي تحول الي قاتل مهووس، يترصد سكان عمارة سكنية تقع في مصر الجديدة، ويبدأ بقتلهم الواحد تلو الآخر، بلا أي مناسبة! فلا هو يعرفهم ولا هم يعرفونه، لكن "أهي رذالة والسلام"! حقيقي أن معظم القتلي من أصحاب السلوك السيئ،المفسدون في الأرض، لكن القاتل لم يكن يعنيه هذا الجانب من شخصياتهم، بمعني انه لا يتحرك برغبة في الإصلاح أو لأسباب مُتعلقة بالعدالة أو التخلص من الفساد، ولكنه قتل عشوائي، بلا مبررات منطقية، ثم إنها شخصيات كاريكاتيرية مثل الصحفية المرتشية،"انتصار" والجواهرجي ولم افهم ما هي علته بالضبط انه رجل يبيع قطعا من الألماس لمن يطلبها، ولا يمكن ان نعتبره فاسدا لمجرد ان المشتري فاسد، أو الممثلة الشابة التي تتاجر بجسدها، أو رجل الأعمال والسياسي المنحرف، أو المحامي "محمود الجندي" انها شخصيات لا تحزن عليها، ولا تتعاطف معها مُطلقا، وفي نفس الوقت أنت لا تتعاطف مع القاتل ولا تجد مُبررا لفعلته، ولا تجد سببا مقنعا لأن يقرر واحد مخبول ان يقتل كل سكان عمارة محددة؟ أما الحديث عن المبررات النفسية وكيفية اكتشاف ان محمود عبدالمغني هو القاتل فهو التهريج بعينه، وقد كانت تلك المشاهد تثير ضحكات جمهور السينما بدلا من ان تثير قلقه أو اضطرابه أو توتره! قلة ثقافة قلة الثقافة هي مشكلة صناع فيلم "رد فعل"،فيبدو أن النية كانت مبيتة لصناعة فيلم علي طريقة عمارة يعقوبيان الذي تدور أحداثه حول سكان عمارة بعينها تقع وسط البلد، لكن فاتهم أن مفيش مكان واحد يضم كل ألوان الفساد اللي في الدنيا، فاختلاف طبائع البشر أمر حتمي في المكان الواحد،فجاء رد فعل مثل الجنين المشوه الذي لاتعرف لها ملامح أو تفاصيل فهل هو فيلم بوليسي وأم فيلم رعب أم فيلم سياسي واجتماعي انه خليط غير متجانس تنقصه الحرفة والصنعة! وإذا كان الفيلم محاولة لتصعيد محمود عبدالمغني وتحويله الي نجم شباك، فللأسف المحاولة باءت بالفشل، أما حورية فرغلي فقد خسرت كثيرا ما سبق لها أن حققته في مسلسلي "دوران شبرا"، والشوارع الخلفية، فشخصية "رضوي" التي قدمتها ينقصها المنطق، ونفس الحال ينطبق علي شخصية ضابط المباحث التي أداها بشكل نمطي "عمرو يوسف"! ويكاد يكون مونتاج"منار حسني" هو العنصر الفني الوحيد الذي يمتاز بالجودة بين كل هذا الهراء الفني! وانتظرت بعد نهاية الفيلم أن أجد سبباً منطقياً لمقتل النجمة العجوز في بداية الأحداث فلم أصل الي نتيجة كما لم أستوعب مبرراً لمشاركة هالة صدقي في لقطة فلاش باك لا تودي ولا تجيب! أما اللغز المحير اللي لسة بدور له علي إجابة هم عملوا الفيلم ده ليه بالظبط؟